للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شُعْبَةٌ مِنْ قَاعِدَةِ إِعْطَاءِ الْوَسِيلَةِ حُكْمَ الْمَقْصِدِ خَاصَّةً بِوَسَائِلِ حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ. وَلَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ مَعْنَى سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي حَكَى الْقَرَافِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اعْتِبَارِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ فِيهِ. وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ عُنْوَانٌ فِي أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَلَا تَعَرَّضُوا لَهَا بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْغَزَالِيُّ فِي «الْمُسْتَصْفَى» فِي عِدَادِ الْأُصُولِ الْمَوْهُومَةِ فِي خَاتِمَةِ الْقُطْبِ الثَّانِي فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ.

وعَدْواً- بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ- فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِ «يَسُبُّوا» لِأَنَّ الْعَدْوَ هُنَا صِفَةٌ لِلسَّبِّ، فَصَحَّ أَنْ يَحُلَّ مَحَلَّهُ فِي الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ بَيَانًا لِنَوْعِهِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ عَدْواً- بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ- وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْعَدْوِ.

وَوَصْفُ سَبِّهِمْ بِأَنَّهُ عَدْوٌ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ سَبَّ الْمُسْلِمِينَ أَصْنَامَ الْمُشْرِكِينَ لَيْسَ مِنَ الِاعْتِدَاءِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ السَّبَّ عَدْوًا سَوَاءً كَانَ مُرَادًا بِهِ اللَّهُ أَمْ كَانَ مُرَادًا بِهِ مَنْ يَأْمر النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَ بِهِ لِأَنَّ الَّذِي أَمر النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَ بِهِ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى فَصَادَفُوا الِاعْتِدَاءَ عَلَى جَلَالِهِ.

وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِلْمٍ حَالٌ من ضمير فَيَسُبُّوا، أَيْ عَنْ جَهَالَةٍ، فَهُمْ لِجَهْلِهِمْ بِاللَّهِ لَا يَزَعُهُمْ وَازِعٌ عَنْ سَبِّهِ، وَيَسُبُّونَهُ غَيْرَ عَالِمِينِ بِأَنَّهُمْ يَسُبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُمْ يَسُبُّونَ مَنْ أَمر محمّدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَ بِهِ فَيُصَادِفُ سَبُّهُمْ سَبَّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ الَّذِي أَمَرَهُ بِمَا جَاءَ بِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ صِفَةً لِ عَدْواً كَاشِفَةً، لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَدْوَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِعِظَمِ الْجُرْمِ الَّذِي اقْتَرَفُوهُ، أَوْ عَنْ عِلْمٍ بِذَلِكَ لَكِنَّ حَالَةَ إِقْدَامِهِمْ عَلَيْهِ تُشْبِهُ حَالَةَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِوَخَامَةِ عَاقِبَتِهِ.