للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ يُوحِي فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، يَتَقَيَّدُ بِهَا الْجَعْلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ جَعَلْنا فَهَذَا الْوَحْيُ مِنْ تَمَامِ الْمَجْعُولِ.

وَالْوَحْيُ: الْكَلَامُ الْخَفِيُّ، كَالْوَسْوَسَةِ، وَأُرِيدُ بِهِ مَا يَشْمَلُ إِلْقَاءَ الْوَسْوَسَةِ فِي النَّفْسِ مِنْ حَدِيثٍ يُزَوَّرُ فِي صُورَةِ الْكَلَامِ. وَالْبَعْضُ الْمُوحِي: هُوَ شَيَاطِينُ الْجِنِّ، يُلْقُونَ خَوَاطِرَ الْمَقْدِرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الشَّرِّ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، فَيَكُونُونَ زُعَمَاءَ لِأَهْلِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ.

وَالزُّخْرُفُ: الزِّينَةُ، وَسُمِّيَ الذَّهَبُ زُخْرُفًا لِأَنَّهُ يُتَزَيَّنُ بِهِ حُلِيًّا، وَإِضَافَةُ الزُّخْرُفِ إِلَى الْقَوْلِ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، أَيِ الْقَوْلِ الزُّخْرُفِ: أَيِ الْمُزَخْرَفِ، وَهُوَ مِنَ الْوَصْفِ بِالْجَامِدِ الَّذِي فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ، إِذْ كَانَ بِمَعْنَى الزَّيْنِ. وَأَفْهَمَ وَصْفُ الْقَوْلِ

بِالزُّخْرُفِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى التَّحْسِينِ وَالزَّخْرَفَةِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْقَوْلُ إِلَى ذَلِكَ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى مَا يُكْسِبُهُ الْقَبُولَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُفْضِي إِلَى ضُرٍّ يَحْتَاجُ قَائِلُهُ إِلَى تَزْيِينِهِ وَتَحْسِينِهِ لِإِخْفَاءِ مَا فِيهِ مِنَ الضُّرِّ، خَشْيَةَ أَنْ يَنْفِرَ عَنْهُ مَنْ يُسَوِّلُهُ لَهُمْ، فَذَلِكَ التَّزْيِينُ تَرْوِيجٌ يَسْتَهْوُونَ بِهِ النُّفُوسَ، كَمَا تُمَوِّهُ لِلصِّبْيَانِ اللَّعِبَ بِالْأَلْوَانِ وَالتَّذْهِيبِ.

وَانْتَصَبَ زُخْرُفَ الْقَوْلِ عَلَى النِّيَابَةِ عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ مِنْ فِعْلِ يُوحِي لِأَنَّ إِضَافَةَ الزُّخْرُفِ إِلَى الْقَوْلِ، الَّذِي هُوَ مِنْ نَوْعِ الْوَحْيِ، تجْعَل زُخْرُفَ نَائِيا عَنِ الْمَصْدَرِ الْمُبَيِّنِ لِنَوْعِ الْوَحْيِ.

وَالْغُرُورُ: الْخِدَاعُ وَالْإِطْمَاعُ بِالنَّفْعِ لِقَصْدِ الْإِضْرَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٦] . وَانْتَصَبَ غُرُوراً عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ لِفِعْلِ يُوحِي، أَي يرحون زُخْرُفَ الْقَوْلِ لِيَغُرُّوهُمْ.