للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَهِدْتُ بِهَا حَيًّا كِرَامًا فَبُدِّلَتْ ... خَنَاظِيلَ آجَالِ النِّعَاجِ الْجَوَافِلِ

وَيَكُونُ فِي الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النُّور: ٥٥] .

وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي إِبْطَالِ الشَّيْءِ وَنَقْضِهِ، قَالَ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ

[الْفَتْح: ١٥] أَيْ يُخَالِفُوهُ وَيَنْقُضُوا مَا اقْتَضَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [الْفَتْح: ١٥] . وَذَلِكَ أَنَّ النَّقْضَ يَسْتَلْزِمُ الْإِتْيَانَ بِشَيْءٍ ضِدِّ الشَّيْءِ الْمَنْقُوضِ. فَكَانَ ذَلِكَ اللُّزُومُ هُوَ علاقَة الْمجَاز. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٨١] . وَقَدِ اسْتَعْمَلَ فِي قَوْلِهِ: لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ مَجَازًا فِي مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ أَوِ النَّقْضِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فِي مَعْنَى التَّمَامِ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ وَنَفْيُ الْمُبَدِّلِ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ التَّبْدِيلِ.

فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ الْقُرْآنَ، كَمَا تَقَدَّمَ، فَمَعْنَى انْتِفَاءِ الْمُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ: انْتِفَاءُ الْإِتْيَانِ بِمَا يَنْقُضُهُ وَيُبْطِلُهُ أَوْ يُعَارِضُهُ، بِأَنْ يُظْهِرَ أَنَّ فِيهِ مَا لَيْسَ بِتَمَامٍ. فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ بِمَا يَنْقُضُهُ كَذِبًا وَزُورًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَقْضٍ. وَإِنَّمَا هُوَ مُكَابَرَةٌ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَنَظْمِهِ، وَانْتِفَاءُ مَا يُبْطِلُ مَعَانِيَهُ وَحَقَائِقَ حِكْمَتِهِ، وَانْتِفَاءُ تَغْيِيرِ مَا شَرَّعَهُ وَحَكَمَ بِهِ. وَهَذَا الِانْتِفَاءُ الْأَخِيرُ كِنَايَةٌ عَنِ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُخَالِفَهُ الْمُسْلِمُونَ. وَبِذَلِكَ يَكُونُ التَّبْدِيلُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَكِنَايَتِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ: جَعَلْنَا لِكُلِّ نبيء عدوا [الْأَنْعَام: ١١٢] وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا، فَالْكَلِمَاتُ مُرَادٌ بِهَا مَا سَنَّهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ: مِنْ جَعْلِ أَعدَاء لكلّ نَبِي يُزَخْرِفُونَ الْقَوْلَ فِي التَّضْلِيلِ، لِتَصْغَى إِلَيْهِمْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَيَتْبَعُوهُمْ، وَيَقْتَرِفُوا السَّيِّئَاتِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ التَّحَقُّقُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ نَفْيٌ أَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَ سُنَّةَ اللَّهِ وَمَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، كَقَوْلِهِ: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: ٤٣]