للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٢٥]

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢٥)

الْفَاءُ مُرَتِّبَةُ الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا عَلَى مَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الْأَنْعَام: ١٢٢] وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ التَّفَارِيعِ وَالِاعْتِرَاضِ. وَهَذَا التَّفْرِيعُ إِبْطَالٌ لِتَعَلُّلَاتِهِمْ بِعِلَّةِ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الْأَنْعَام: ١٢٤] ، وَأَنَّ اللَّهَ مَنَعَهُمْ مَا عَلَّقُوا إِيمَانَهُمْ عَلَى حُصُولِهِ، فَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ بَيَانُ السَّبَبِ الْمُؤَثِّرِ بِالْحَقِيقَةِ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ وَكُفْرُ الْكَافِرِ، وَهُوَ: هِدَايَةُ اللَّهِ الْمُؤْمِنَ، وَإِضْلَالُهُ الْكَافِرَ، فَذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّأْثِيرِ، دُونَ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ، فَيُعْرَفُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَكَابِرَ الْمُجْرِمِينَ لَوْ أُوتُوا مَا سَأَلُوا لَمَا آمَنُوا، حَتَّى يُرِيدَ اللَّهُ هِدَايَتَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَات رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يُونُس: ٩٦، ٩٧]- وَكَمَا قَالَ: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الْأَنْعَام: ١١١] .

وَالْهُدَى إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ النَّافِعَةِ: لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ إِصَابَةُ الطَّرِيقِ الْمُوصِلِ لِلْمَكَانِ الْمَقْصُودِ، وَمَجَازُهُ رَشَادُ الْعَقْلِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ مُتَعَلَّقِهِ هُنَا لِظُهُورِ أَنَّهُ الْهُدَى

لِلْإِسْلَامِ، مَعَ قَرِينَةِ قَوْلِهِ: يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات: ٢٣] فَهُوَ تَهَكُّمٌ. وَالضَّلَالُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي أَحْوَالٍ مُضِرَّةٍ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ خَطَأُ الطَّرِيقِ الْمَطْلُوبِ، فَلِذَلِكَ كَانَ مُشْعِرًا بِالضُّرِّ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ مُتَعَلَّقُهُ، فَهُوَ هُنَا الِاتِّصَافُ بِالْكُفْرِ لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةَ خَيْرِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ كَالضَّلَالِ عَنِ الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ كَانَ الضَّالُّ غَيْرَ طَالِبٍ لِلْإِسْلَامِ، لَكِنَّهُ بِحَيْثُ لَوِ اسْتَقْبَلَ مِنْ أَمْرِهِ مَا اسْتَدْبَرَ لَطَلَبَهُ.