للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ [الْفرْقَان: ١٧] وَقَوْلِهِ: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الْمَائِدَة: ١١٦] .

وَالْقَصُّ كَالْقَصَصِ: الْإِخْبَارُ، وَمِنْهُ الْقِصَّةُ لِلْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى: يُخْبِرُونَكُمُ الْأَخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، فَسَمَّى ذَلِكَ قَصًّا لِأَنَّ أَكْثَرَهُ أَخْبَارٌ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنِ الرُّسُلِ وَأُمَمِهِمْ وَمَا حَلَّ بِهِمْ وَعَنِ الْجَزَاءِ بِالنَّعِيمِ أَوِ الْعَذَابِ.

فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَاتِ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَالْأَقْوَالُ الَّتِي فَيَفْهَمُهَا الْجِنُّ بِإِلْهَامٍ، كَمَا تقدّم آنِفا، ويفهمها الْإِنْسُ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ مُبَاشَرَةً وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ بِالتَّرْجَمَةِ.

والإنذار: الْإِخْبَار بِمَا يُخِيفُ وَيُكْرَهُ، وَهُوَ ضِدُّ الْبِشَارَةِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١١٩] ، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْمُلْقَى إِلَيْهِ الْخَبَرُ، وَيَتَعَدَّى إِلَى الشَّيْءِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ: بِالْبَاءِ، وَبِنَفْسِهِ، يُقَالُ: أَنْذَرْتُهُ بِكَذَا وَأَنْذَرْتُهُ كَذَا، قَالَ تَعَالَى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارا تَلَظَّى [اللَّيْل: ١٤] ، فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً [فصلت: ١٣] ، وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ [الشورى: ٧] وَلَمَّا كَانَ اللِّقَاءُ يَوْمَ الْحَشْرِ يَتَضَمَّنُ خَيْرًا لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَشَرًّا لِأَهْلِ الشَّرِّ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُخَاطَبُونَ قَدْ تَمَحَضُّوا لِلشَّرِّ، جُعِلَ إِخْبَارُ الرُّسُلِ إِيَّاهُمْ بِلِقَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْذَارًا لِأَنَّهُ الطَّرَفُ الَّذِي تَحَقَّقَ فِيهِمْ مِنْ جُمْلَةِ إِخْبَارِ الرُّسُلِ إِيَّاهُمْ مَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَشَرِّهِ. وَوَصْفُ الْيَوْمِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْله: وْمِكُمْ هَذَا

لِتَهْوِيلِ أَمْرِ ذَلِكَ بِمَا يُشَاهَدُ فِيهِ، بِحَيْثُ لَا تُحِيطُ الْعِبَارَةُ بِوَصْفِهِ، فَيُعْدَلُ عَنْهَا إِلَى الْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ [الطّور: ١٤] .

وَمعنى قَوْلهم: هِدْنا عَلى أَنْفُسِنا

الْإِقْرَارُ بِمَا تَضَمَّنَهُ الِاسْتِفْهَامُ مِنْ إِتْيَانِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دُخُولَ حَرْفِ النَّفْيِ فِي جُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِلَّا قَطْعَ الْمَعْذِرَةِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَسَعُ الْمَسْئُولَ نَفْيُهُ، فَلِذَلِكَ أجملوا الْجَواب: الُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا

، أَيْ أَقْرَرْنَا بِإِتْيَانِ الرُّسُلِ إِلَيْنَا.