للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَجَمْعٍ مِنَ التَّابِعِينَ كَثِيرٍ. وَلَعَلَّهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ فُرِضَتِ ابْتِدَاءً بِتَعْيِينِ النُّصُبِ وَالْمَقَادِيرِ، وَحَمَلَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَعَطَاءٌ، وَحَمَّادٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، عَلَى غَيْرِ الزَّكَاةِ وَجَعَلُوا الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، وَحَمَلَهَا السُّدِّيُّ، وَالْحَسَنُ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، عَلَى صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ ثُمَّ نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ.

وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ الْحَقَّ فِي الثِّمَارِ وَالْحَبِّ يَوْمَ الْحَصَادِ: لِأَنَّ الْحَصَادَ إِنَّمَا يُرَادُ لِلِادِّخَارِ وَإِنَّمَا يَدَّخِرُ الْمَرْءُ مَا يُرِيدُهُ لِلْقُوتِ، فَالِادِّخَارُ هُوَ مَظِنَّةُ الْغِنَى الْمُوجِبَةِ لِإِعْطَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَصَادُ مَبْدَأُ تِلْكَ الْمَظِنَّةِ، فَالَّذِي لَيْسَتْ لَهُ إِلَّا شَجَرَةٌ أَوْ شَجَرَتَانِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ ثَمَرَهَا مَخْضُورًا قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ، فَلِذَلِكَ رَخَّصَتِ الشَّرِيعَةُ لِصَاحِبِ الثَّمَرَةِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الثَّمَرِ إِذَا أَثْمَرَ، وَلَمْ تُوجِبْ عَلَيْهِ إِعْطَاءَ حَقِّ الْفُقَرَاءِ إِلَّا عِنْدَ الْحَصَادِ. ثُمَّ إِنَّ حَصَادَ الثِّمَارِ، وَهُوَ

جُذَاذُهَا، هُوَ قَطْعُهَا لِادِّخَارِهَا، وَأَمَّا حَصَادُ الزَّرْعِ فَهُوَ قَطْعُ السُّنْبُلِ مِنْ جُذُورِ الزَّرْعِ ثُمَّ يُفْرَكُ الْحَبُّ الَّذِي فِي السُّنْبُلِ لِيُدَّخَرَ، فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ الْفَرْكُ بَقِيَّةً لِلْحَصَادِ. وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَقَّ إِنَّمَا وَجَبَ فِيمَا يُحْصَدُ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ مِثْلُ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّرْعِ وَالزَّيْتُونِ، مِنْ زَيْتِهِ أَوْ مِنْ حَبِّهِ، بِخِلَافِ الرُّمَّانِ وَالْفَوَاكِهِ.

وَعَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ: فَهَذِهِ الْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَلَكِنَّهَا مُخَصَّصَةٌ وَمُبَيَّنَةٌ بِآيَاتٍ أُخْرَى وَبِمَا يبيّنه النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يُتَعَلَّقُ بِإِطْلَاقِهَا، وَعَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ الزَّكَاةِ يَعْنِي:

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [التَّوْبَة: ١٠٣] وَقَدْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يُسَمُّونَ التَّخْصِيصَ نَسْخًا.

وَقَوْلُهُ: وَلا تُسْرِفُوا عَطْفٌ عَلَى كُلُوا، أَيْ: كُلُوا غَيْرَ مُسْرِفِينَ. وَالْإِسْرَافُ وَالسَّرَفُ: تَجَاوُزُ الْكَافِي مِنْ إِرْضَاءِ النَّفْسِ بِالشَّيْءِ الْمُشْتَهَى. وَتَقَدَّمَ