للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَوْلُهُ: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَى آخِرِهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، اعْتِرَاضٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَقَوْلِهِ: وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ. وَضَمِيرُ: حَرَّمَ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الْأَنْعَام: ١٤٢] ، أَوْ فِي قَوْلِهِ: وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ [الْأَنْعَام: ١٤٠] الْآيَةَ. وَفِي تَكْرِيرِ الِاسْتِفْهَامِ مَرَّتَيْنِ تَعْرِيضٌ بِالتَّخْطِئَةِ، فَالتَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ الَّذِي يَعْقُبُهُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَقَوْلِهِ: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً الْآيَةَ. فَلَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِبْطَالُ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ أَكْلَهُ، وَنَفْيُ نِسْبَةِ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي طَرِيقِ اسْتِفَادَةِ هَذَا الْمَقْصُودِ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ. وَهُوَ مِنَ الْمُعْضِلَاتِ.

فَقَالَ الْفَخْرُ: «أَطْبَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُحَرِّمُونَ بَعْضَ الْأَنْعَامِ فَاحْتَجَّ اللَّهُ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ بِأَنْ ذَكَرَ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ. وَذَكَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ زَوْجَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى، ثمّ قَالَ: إِن كَانَ حرّم مِنْهَا الذّكر وَجب أَن يكون كلّ ذكورها حَرَامًا، وَإِنْ كَانَ حَرَّمَ الْأُنْثَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ إِنَاثِهَا حَرَامًا، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَبَ تَحْرِيمُ الْأَوْلَادِ كُلِّهَا» . حَاصِلُ الْمَعْنَى نَفْيُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ حَرَّمَ شَيْئًا مِمَّا زَعَمُوا تَحْرِيمَهُ إِيَّاهُ بِطَرِيقِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ وَهُوَ من طَرِيق الْجَدَلِ.

قُلْتُ: هَذَا مَا عَزَاهُ الطَّبَرِيُّ إِلَى قَتَادَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ السَّبْرَ غَيْرُ تَامٍّ إِذْ لَا يَنْحَصِرُ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي النَّوْعِيَّةِ بَلِ الْأَكْثَرُ أَنَّ سَبَبَهُ بَعْضُ أَوْصَافِ الْمَمْنُوعِ وَأَحْوَالِهِ.

وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: قَالُوا: هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ [الْأَنْعَام: ١٣٨] وَقَالُوا: