للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ تَقُولُوا لَوْ أُنْزِلَ لَنَا كِتَابٌ لَكُنَّا أَفْضَلَ اهْتِدَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، فَهَذَا غَرَضٌ أَهَمُّ جَمْعًا لِاتِّبَاعِ جَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَأُدْخِلَ فِي إِقْنَاعِ الْمُخَاطَبِينَ بِمَزِيَّةِ أَخْذِهِمْ بِهَذَا الْكِتَابِ.

وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الِانْتِقَالِ: مَا ذُكِرَ مِنْ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا كَذَّبُوا دَعْوَةَ الْإِسْلَامِ ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُ آتَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْكِتَابَ كَمَا اشْتَهَرَ بَيْنَهُمْ حَسْبَمَا بَيَّنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى [٩١] الْآيَةَ، فِي هَذِهِ السُّورَةِ، لِيَنْتَقِلَ إِلَى ذِكْرِ الْقُرْآنِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَى اتِّبَاعِهِ فَيَكُونَ التَّذْكِيرُ بِكِتَابِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تَمْهِيدًا لِذَلِكَ الْغَرَضِ.

والْكِتابُ هُوَ الْمَعْهُودُ، أَيِ التَّوْرَاةُ، وتَماماً حَالٌ مِنَ الْكِتَابِ، وَالتَّمَامُ الْكَمَالُ، أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ كَمَالًا لِمَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الصَّلَاحِ الَّذِي هُوَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَلَقَّوْهُ عَنْ أَسْلَافِهِمْ: مِنْ صَلَاحِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ إِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَالْأَسْبَاطُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَكَانَتِ التَّوْرَاةُ مُكَمِّلَةً لِصَلَاحِهِمْ، وَمُزِيلَةً لِمَا اعْتَرَاهُمْ مِنَ الْفَسَادِ، وَأَنَّ إِزَالَةَ الْفَسَادِ تَكْمِلَةٌ لِلصَّلَاحِ. وَوَصْفُ التَّوْرَاةِ بِالتَّمَامِ مُبَالَغَةٌ فِي مَعْنَى الْمُتَمِّ.

وَالْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ: عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ، فَلِذَلِكَ اسْتَوَى مُفْرَدُهُ وَجَمْعُهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْفَرِيقُ الْمُحْسِنُ، أَيْ تَمَامًا لِإِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَالْفِعْلُ مَنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَيِ الَّذِي اتَّصَفَ بِالْإِحْسَانِ.

وَالتَّفْصِيلُ: التَّبْيِينُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ