للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبِهِ سَيَتَّضِحُ كَيْفَ انْقَلَبَتِ الْعَدَاوَةُ وِلَايَةً بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ اسْتَحَبُّوا الضَّلَالَ وَالْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ.

وَجُمْلَة: ثمَّ لآتيناهم (ثُمَّ) فِيهَا لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ، وَهُوَ التَّدَرُّجُ فِي الْأَخْبَارِ إِلَى خَبَرٍ أَهَمَّ لِأَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ أَوْقَعُ فِي غَرَضِ الْكَلَامِ مِنْ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى أَفَادَتِ التَّرَصُّدَ لِلْبَشَرِ بِالْإِغْوَاءِ، وَالْجُمْلَةَ الْمَعْطُوفَةَ أَفَادَتِ التَّهَجُّمَ عَلَيْهِمْ بِشَتَّى الْوَسَائِلِ.

وَكَمَا ضُرِبَ الْمَثَلُ لِهَيْئَةِ الْحِرْصِ عَلَى الْإِغْوَاءِ بِالْقُعُودِ عَلَى الطَّرِيقِ، كَذَلِك مُثِّلَتْ هَيْئَةُ التَّوَسُّلِ إِلَى الْإِغْوَاءِ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ بِهَيْئَةِ الْبَاحِثِ الْحَرِيصِ عَلَى أَخْذِ الْعَدُوِّ إِذْ يَأْتِيهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ حَتَّى يُصَادِفَ الْجِهَةَ الَّتِي يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ أَخْذِهِ، فَهُوَ يَأْتِيهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى تَخُورَ قُوَّةُ مُدَافَعَتِهِ، فَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ، وَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ مَسْلَكٌ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مِنْ نَفْسِهِ وَعَقْلِهِ بِإِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ فِي نَفْسِهِ، وَلَيْسَتِ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ بِحَقِيقَةٍ، وَلَكِنَّهَا مَجَازٌ تَمْثِيلِيٌّ بِمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ فِي مُحَاوَلَةِ النَّاسِ وَمُخَاتَلَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ الْإِتْيَانَ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِهِمْ إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ فِي المخاتلة وإلّا الْمُهَاجَمَةِ.

وَعُلِّقَ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وخَلْفِهِمْ بِحَرْفِ (مِنْ) وعلّق أَيْمانِهِمْ وشمالهم بِحَرْفِ عَنْ جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ شَائِعٌ فِي «لِسَانِ الْعَرَبِ» فِي تَعْدِيَةِ الْأَفْعَالِ إِلَى أَسْمَاءِ الْجِهَاتِ، وَأَصْلُ (عَنْ) فِي قَوْلِهِمْ: عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ الْمُجَاوَزَةُ: أَيْ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ مُجَاوِزًا لَهُ وَمُجَافِيًا لَهُ، ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ (عَنْ) بِمَعْنَى عَلَى، فَكَمَا يَقُولُونَ: جَلَسَ عَلَى يَمِينِهِ

يَقُولُونَ: جَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَصْلُهَا الِابْتِدَاءُ يُقَالُ: أَتَاهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، أَيْ مِنَ الْمَكَانِ الْمُوَاجِهِ لَهُ، ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ (مِنْ) بِمَنْزِلَةِ الْحَرْفِ الزَّائِدِ يُجَرُّ بِهَا الظَّرْفُ فَلِذَلِكَ جَرَتْ بِهَا الظُّرُوفُ الْمُلَازِمَةُ لِلظَّرْفِيَّةِ مِثْلَ عِنْدَ، لِأَنَّ