للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَيْسَ تَغْيِيرُ الْأُسْلُوبِ بَيْنَ: فَرِيقاً هَدى وَبَيْنَ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ تَحَاشِيًا عَنْ إِسْنَادِ الْإِضْلَالِ إِلَى اللَّهِ، كَمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» ، لِأَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَ الْإِضْلَالَ إِلَى اللَّهِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا عُلِمَتْ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنَّ اخْتِلَافَ الْأُسْلُوبِ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ.

وَجُرِّدَ فِعْلُ حَقَّ عَنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّ فَاعِلَهُ غَيْرُ حَقِيقِيِّ التَّأْنِيثِ، وَقَدْ أُظْهِرَتْ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ فِي نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النَّحْل: ٣٦] .

وَقَوْلُهُ: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اسْتِئْنَافٌ مُرَادٌ بِهِ التَّعْلِيلُ لِجُمْلَةِ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النَّحْل: ٣٦] ، وَهَذَا شَأْنُ (إِنَّ) إِذَا وَقَعَتْ فِي صَدْرِ جُمْلَةٍ عَقِبَ جُمْلَةٍ أُخْرَى أَنْ تَكُونَ لِلرَّبْطِ وَالتَّعْلِيلِ وَتُغْنِي غَنَاءَ الْفَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْفَرِيقَ، الَّذِي حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ، لَمَّا سَمِعُوا الدَّعْوَةَ إِلَى التَّوْحِيدِ

وَالْإِسْلَامِ، لَمْ يَطْلُبُوا النَّجَاةَ وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي ضَلَالِ الشِّرْكِ الْبَيِّنِ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَوْحَوْا شَيَاطِينَهُمْ، وَطَابَتْ نُفُوسُهُمْ بِوَسْوَسَتِهِمْ، وَائْتَمَرُوا بِأَمْرِهِمْ، وَاتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ، فَلَا جَرَمَ أَنْ يَدُومُوا عَلَى ضَلَالِهِمْ لِأَجْلِ اتِّخَاذِهِمُ الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

وَعَطَفَ جُمْلَةَ: وَيَحْسَبُونَ عَلَى جُمْلَةِ: اتَّخَذُوا فَكَانَ ضَلَالُهُمْ ضَلَالًا مُرَكَّبًا، إِذْ هُمْ قَدْ ضَلُّوا فِي الائتمار بِأَمْر أئمّة الْكفْر وألياء الشَّيَاطِينِ، وَلَمَّا سَمِعُوا دَاعِيَ الْهُدَى لَمْ يَتَفَكَّرُوا، وَأَهْمَلُوا النَّظَرَ، لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمْ شَكٌّ فِي أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَى النَّظَرِ فِي صدق الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْحُسْبَانُ الظَّنُّ، وَهُوَ هُنَا ظَنٌّ مُجَرَّدٌ عَنْ دَلِيلٍ، وَذَلِكَ أَغْلَبُ مَا يُرَادُ بِالظَّنِّ وَمَا يُرَادِفُهُ فِي الْقُرْآنِ.