للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْهُمْ بِذَلِكَ الْمَكَانِ دُونَ سِوَاهُمْ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ رِجَالٌ يَقَعُ لَهُمْ هَذَا الْخَبَرُ، فَذُكِرُوا هُنَا لِلِاعْتِبَارِ عَلَى وَجْهِ الْمُصَادَفَةِ، لَا لِقَصْدِ تَقْسِيمِ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَأَمْكِنَتِهِمْ، وَلَعَلَّ تَوَهُّمَ أَنَّ تَخْصِيصَ الرِّجَالِ بِالذِّكْرِ لِقَصْدِ التَّقْسِيمِ قَدْ أَوْقَعَ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ فِي حَيْرَةٍ لِتَطَلُّبِ الْمَعْنَى لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْأَعْرَافِ قَدِ اسْتَحَقُّوا ذَلِكَ الْمَكَانَ لِأَجْلِ حَالَةٍ لَا حَظَّ لِلنِّسَاءِ فِيهَا، فَبَعْضُهُمْ حَمَلَ الرِّجَالَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَتَطَلَّبَ عَمَلًا يَعْمَلُهُ الرِّجَالُ لَا حَظَّ لِلنِّسَاءِ فِيهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ إِلَّا الْجِهَادُ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ جَاهَدُوا وَكَانُوا عَاصِينَ لِآبَائِهِمْ، وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ حَمَلَ الرِّجَالَ عَلَى الْمَجَازِ بِمَعْنَى الْأَشْخَاصِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أُطْلِقَ عَلَيْهِمُ الرِّجَالَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا إِنَاثًا كَمَا أُطْلِقَ عَلَى أَشْخَاصِ الْجِنِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ [الْجِنِّ: ٦] فَيَظْهَرُ وَجْهٌ لِتَخْصِيصِ الرِّجَالِ بِالذِّكْرِ تَبَعًا لِمَا فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا.

وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ أَهْلَ الْأَعْرَافِ هُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ مَوَازِينُ حَسَنَاتِهِمْ مَعَ مَوَازِينِ سَيِّئَاتِهِمْ، وَيَكُونُ إِطْلَاقُ الرِّجَالِ عَلَيْهِمْ تَغْلِيبًا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ نِسَاءٌ، وَيُرْوَى فِيهِ أَخْبَارٌ مُسْنَدَةٌ إِلَى النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الصَّحِيحِ وَلَمْ تَنْزِلْ إِلَى رُتْبَةِ الضَّعِيفِ:

رَوَى بَعْضُهَا ابْنُ مَاجَهْ، وَبَعْضُهَا ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَبَعْضُهَا الطَّبَرِيُّ، فَإِذَا صَحَّتْ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا أَنَّ مَنْ كَانَتْ تِلْكَ حَالَتُهُمْ يَكُونُونَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْأَعْرَافِ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَهُمْ يَطْمَعُونَ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهَا أَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فِيهَا.

وَالَّذِي يَنْبَغِي تَفْسِيرُ الْآيَةِ بِهِ: أَنَّ هَذِهِ الْأَعْرَافَ جَعَلَهَا اللَّهُ مَكَانًا يُوقِفُ بِهِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَبْلَ دُخُولِهِ إِيَّاهَا، وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الْعِقَابِ خَفِيفٌ، فَجَعَلَ الدَّاخِلِينَ إِلَى الْجَنَّةِ مُتَفَاوِتِينَ فِي السَّبْقِ تَفَاوُتًا يَعْلَمُ اللَّهُ أَسْبَابَهُ وَمَقَادِيرَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [الْحَدِيد: ١٠] وَخَصَّ اللَّهُ