للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السِّلْعَةِ بِأَنَّ سِلْعَتَهُ هِيَ دُونَ مَا

هُوَ رَائِجٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَدْخُلُهُ الْيَأْسُ مِنْ فَوَائِدِ نِتَاجِهِ فَتَكْسَلُ الْهِمَمُ.

وَمَا وَقَعَ فِي «اللِّسَانِ» مِنْ مَعَانِي الْبَخْسِ: أَنَّهُ الْخَسِيسُ فَلَعَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ الْمَجَازِ أَوِ التَّوَسُّعِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْبَخْسَ هُوَ بِمَعْنَى النَّقْصِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْفَاعِلِ بِالْمَفْعُولِ، لَا النَّقْصُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الشَّيْءِ النَّاقِصِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ النَّقْصِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا.

ثُمَّ إِنَّ حَقَّ فِعْلِهِ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً [الْبَقَرَة: ٢٨٢] فَإِذَا عُدِّيَ إِلَى مَفْعُولَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ هُنَا: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ فَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّحْوِيلِ لِتَحْصِيلِ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ: «وَلَا تَبْخَسُوا أَشْيَاءَ النَّاسِ» فَيَكُونُ قَوْلُهُ: أَشْياءَهُمْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ: النَّاسَ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ بُنِيَ فِعْلُ بَخَسَ لِلْمَجْهُولِ لَقُلْتَ بُخِسَ فُلَانٌ شَيْئُهُ- بِرَفْعِ فُلَانٍ وَرَفْعِ شَيْئِهِ-. وَقَدْ جَعَلَهُ أَبُو الْبَقَاءِ مَفْعُولًا ثَانِيًا، فَعَلَى إِعْرَابِهِ لَوْ بُنِيَ الْفِعْلُ لِلْمَجْهُولِ لَبَقِيَ (أَشْيَاءَهُمْ) مَنْصُوبًا. وَعَلَى إِعْرَابِنَا لَوْ بُنِيَ الْفِعْلُ لِلْمَجْهُولِ لَصَارَ أَشْيَاؤُهُمْ مَرْفُوعًا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنَ النَّاسِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ بَيْنَ الْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ فَرْقًا قَدْ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ.

وَحَاصِلُ مَا أَمَرَ بِهِ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَهُ، بَعْدَ الْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أُصُولٍ: هِيَ حِفْظُ حُقُوقِ الْمُعَامَلَةِ الْمَالِيَّةِ، وَحِفْظُ نِظَامِ الْأُمَّةِ وَمَصَالِحِهَا، وَحِفْظُ حُقُوقِ حُرِّيَّةِ الِاسْتِهْدَاءِ.

فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ فَإِيفَاءُ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ يَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ حُقُوقِ الْمُشْتَرِينَ، لِأَنَّ الْكَائِلَ أَوِ الْوَازِنَ هُوَ الْبَائِعُ، وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُهُ حُبُّ الِاسْتِفْضَالِ عَلَى تَطْفِيفِ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ، لِيَكُونَ بَاعَ الشَّيْءَ النَّاقِصَ بِثَمَنِ الشَّيْءِ الْوَافِي، كَمَا يَحْسَبُهُ الْمُشْتَرِي.

وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَخْسِ النَّاسِ أَشْيَاءَهُمْ فَيَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ حُقُوقِ الْبَائِعِ لِأَنَّ