للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (مَنْ آمَنَ) يَتَنَازَعُهُ كُلُّ مِنْ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ.

وَالتَّعْبِيرُ بِالْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: مَنْ آمَنَ بِهِ عِوَضًا عَنِ الْمُضَارِعِ، حَيْثُ الْمُرَادُ بِمَنْ آمَنَ قَاصِدُ الْإِيمَانِ، فَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْمَاضِي لِتَحْقِيقِ عَزْمِ الْقَاصِدِ عَلَى الْإِيمَانِ فَهُوَ لَوْلَا أَنَّهُمْ يَصُدُّونَهُ لَكَانَ قَدْ آمَنَ.

وسَبِيلِ اللَّهِ الدِّينُ لِأَنَّهُ مثل الطَّرِيق الْموصل إِلَى اللَّهِ، أَيْ إِلَى الْقُرْبِ مِنْ مَرْضَاتِهِ.

وَمَعْنَى تَبْغُونَها عِوَجاً تَبْغُونَ لِسَبِيلِ اللَّهِ عِوَجًا إِذْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ شُعَيْبٌ بَاطِلٌ، يُقَالُ: بَغَاهُ بِمَعْنَى طَلَبَ لَهُ، فَأَصْلُهُ بَغَى لَهُ فَحَذَفُوا حَرْفَ الْجَرِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ لِتَضْمِينِ بَغَى مَعْنَى أَعْطَى.

وَالْعِوَجُ- بِكَسْرِ الْعَيْنِ- عَدَمُ الِاسْتِقَامَةِ فِي الْمَعَانِي، وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ: عَدَمُ اسْتِقَامَةِ الذَّاتِ، وَالْمَعْنَى: تُحَاوِلُونَ أَنْ تَصِفُوا دَعْوَةَ شُعَيْبٍ الْمُسْتَقِيمَةَ بِأَنَّهَا بَاطِلٌ وَضَلَالٌ، كَمَنْ يُحَاوِلُ اعْوِجَاجَ عُودٍ مُسْتَقِيمٍ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي ذِكْرِ نِدَاءِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ.

وَإِنَّمَا أَخَّرَ النَّهْيَ عَنِ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، بَعْدَ جُمْلَةِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ فِي نَسَقِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الْمَاضِيَةِ ثُمَّ يُعَقِّبْهُ بِقَوْلِهِ: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لِأَنَّهُ رَتَّبَ الْكَلَامَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، ثُمَّ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْجَمِيعَ فِيهِ صَلَاحُ الْمُخَاطَبِينَ، فَأَعْقَبَهَا بِبَيَانِ أَنَّهَا خَيْرٌ لَهُمْ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَأَعَادَ تَنْبِيهَهُمْ

إِلَى الْإِيمَانِ وَإِلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صَلَاحِ الْأَعْمَالِ، وَبِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْإِيمَانِ عَادَ إِلَى النَّهْيِ عَنْ صَدِّ الرَّاغِبِينَ فِيهِ، فَهَذَا مِثْلُ التَّرْتِيبِ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

كَأَنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَوَادًا لِلَذَّةٍ ... وَلَمْ أَتَبَطَّنْ كَاعِبًا ذَاتَ خُلْخَالِ

وَلَمْ أَسْبَأِ الرَّاحَ الْكُمَيْتَ وَلَمْ أَقُلْ ... لِخَيْلِي كُرِّي كَرَّةً بَعْدَ إِجْفَالِ

رَوَى الْوَاحِدِيُّ فِي «شَرْحِ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي» أَنَّ الْمُتَنَبِّي لَمَّا أَنْشَدَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ قَوْلَهُ فِيهِ: