للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهُوَ مُطْلَقُ خِلَافَةِ الْمُنْقَرِضِ. وَهُوَ هُنَا مُحْتَمِلٌ لِلْإِطْلَاقَيْنِ، لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْكَلَامِ أَهْلُ مَكَّةَ فَالْإِرْثُ بِمَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، وَإِنْ أُرِيدَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْقَبَائِلُ الَّتِي سَكَنَتْ بِلَادَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٥] وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَيْدُ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى يَرِثُونَ، يُرَادُ مِنْهُ تَذْكِيرُ السَّامِعِينَ بِمَا كَانَ فِيهِ أَهْلُ الْأَرْضِ الْمَوْرُوثَةِ مِنْ بُحْبُوحَةِ الْعَيْشِ، ثُمَّ مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ الشَّامِلِ الْعَاجِلِ، تَصْوِيرًا لِلْمَوْعِظَةِ بِأَعْظَمِ صُورَةٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الْأَعْرَاف: ١٢٩] .

وَمَعْنَى لَمْ يَهْدِ لَمْ يُرْشِدْ وَيُبَيِّنْ لَهُمْ، فَالْهِدَايَةُ أَصْلُهَا تَبْيِينُ الطَّرِيقِ لِلسَّائِرِ، وَاشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُمْ فِي مُطْلَقِ الْإِرْشَادِ: مَجَازًا أَوِ اسْتِعَارَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الْفَاتِحَة: ٦] . وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِعْلَهَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَأَنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ وَإِلَى

الثَّانِي تَارَةً بِنَفْسِهِ وَأُخْرَى بِالْحَرْفِ: اللَّامِ أَوْ (إِلَى) ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ تَعْدِيَتُهُ إِلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ بِاللَّامِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِمَّا لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى يُبَيِّنُ، وَإِمَّا لِتَقْوِيَةِ تَعَلُّقِ مَعْنَى الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: شَكَرْتُ لَهُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مَرْيَم: ٥] ، وَمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ فِي سُورَةِ طه [١٢٨] .

وأَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ (أَنَّ) وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَجُمْلَةُ لَوْ نَشاءُ خَبَرُهَا. وَلَمَّا كَانَتْ (أَنَّ) - الْمَفْتُوحَةُ الْهَمْزَةِ- مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي تُفِيدُ الْمَصْدَرِيَّةَ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ (إِنِّ) الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ، وَمِنْ (أَنَّ) الْمَفْتُوحَةِ الْمُخَفَّفَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ لِذَلِكَ عُدَّتْ فِي الْمَوْصُولَاتِ الْحَرْفِيَّةِ وَكَانَ مَا بَعْدَهَا مُؤَوَّلًا بِمَصْدَرٍ مُنْسَبِكٍ مِنْ لَفْظِ خَبَرِهَا إِنْ كَانَ مُفْرَدًا مُشْتَقًّا، أَوْ مِنَ الْكَوْنِ إِنْ كَانَ خَبَرُهَا جُمْلَةً، فَمَوْقِعُ أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ مَوْقِعُ فَاعِلِ يَهْدِ، وَالْمعْنَى: أَو لم يُبَيَّنْ لِلَّذِينَ يَخْلُفُونَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ أَهْلِهَا كَوْنُ الشَّأْنِ الْمُهِمِّ وَهُوَ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ كَمَا أَصَبْنَا مَنْ قَبْلَهُمْ.

وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ وكذبوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَالْإِصَابَةُ: نَوَالُ الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ بِتَمَكُّنٍ فِيهِ. فَالْمَعْنَى: أَنْ نَأْخُذَهُمْ أَخْذًا لَا يُفْلِتُونَ مِنْهُ. وَالْبَاءُ فِي بِذُنُوبِهِمْ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَلَيْسَتْ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ أَصَبْناهُمْ.