للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا النَّكْثُ هُوَ أَنَّ فِرْعَوْنَ بَعْدَ أَنْ أَذِنَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْخُرُوجِ وَخَرَجُوا مِنْ أَرْضِ (جَاسَانَ) لَيْلًا قَالَ لِفِرْعَوْنَ بَعْضُ خَاصَّتِهِ: مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَا إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا فَنَدِمَ فِرْعَوْنُ وَجَهَّزَ جَيْشًا لِلِالْتِحَاقِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَرُدُّوهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ كَمَا هُوَ فِي الإصحاح الرّبع عَشَرَ مِنْ سفر الْخُرُوج.

[١٣٦]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٣٦]

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦)

هَذَا مَحَلُّ الْعِبْرَةِ مِنَ الْقِصَّةِ، فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهَا تَفْرِيعَ النَّتِيجَةِ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ وَالْفَذْلَكَةِ عَلَى الْقِصَّةِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ وَصَفَ عِنَادَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَتَكْذِيبَهُمْ رِسَالَةَ مُوسَى وَاقْتِرَاحَهُمْ عَلَى مُوسَى أَنْ يَجِيءَ بِآيَةٍ وَمُشَاهَدَتَهُمْ آيَةَ انْقِلَابِ الْعَصَا ثُعْبَانًا، وَتَغْيِيرَ لَوْنِ يَدِهِ، وَرَمْيَهُمْ مُوسَى بِالسِّحْرِ، وَسُوءَ الْمَقْصِدِ، وَمُعَارَضَةَ السَّحَرَةِ مُعْجِزَةَ مُوسَى وَتَغَلُّبَ مُوسَى عَلَيْهِمْ، وَكَيْفَ أَخَذَ اللَّهُ آلَ فِرْعَوْنَ بِمَصَائِبَ جَعَلَهَا آيَاتٍ عَلَى صِدْقِ مُوسَى، وَكَيْفَ كَابَرُوا وَعَانَدُوا، حَتَّى أُلْجِئُوا إِلَى أَنْ وَعَدُوا مُوسَى بِالْإِيمَانِ وَتَسْرِيحِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ وَعَاهَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَشَفَ عَنْهُمُ الرِّجْزَ نَكَثُوا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّ ذَلِكَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ اسْتِئْصَالُ الْمُسْتَكْبِرِينَ الْمُعَانِدِينَ، وَتَحْرِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ.

وَذَلِكَ مَحَلُّ الْعِبْرَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَوْقِعُ فِي عَطْفِهِ لِفَاءِ التَّرْتِيبِ وَالتَّسَبُّبِ، وَقَدِ اتَّبَعَ

فِي هَذَا الْخِتَامِ الْأُسْلُوبَ الَّتِي اخْتُتِمَتْ بِهِ الْقَصَصُ الَّتِي قَبْلَ هَذَا.

وَالِانْتِقَامُ افْتِعَالٌ، وَهُوَ الْعُقُوبَةُ الشَّدِيدَةُ الشَّبِيهَةُ بِالنَّقْمِ. وَهُوَ غَضَبُ الْحَنَقِ عَلَى ذَنْبِ اعْتِدَاءٍ عَلَى الْمُنْتَقِمِ يُنْكِرُ وَيَكْرَهُ فَاعِلَهُ.

وَأَصْلُ صِيغَةِ الِافْتِعَالِ أَنْ تَكُونَ لِمُطَاوَعَةِ فِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِحَيْثُ يَكُونُ فَاعِلُ الْمُطَاوَعَةِ هُوَ مَفْعُولَ الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ، وَلَمْ يُسْمَعْ أَنْ قَالُوا نَقَمَهُ فَانْتَقَمَ. أَيْ أَحْفَظَهُ وَأَغْضَبَهُ فَعَاقَبَ، فَهَذِهِ الْمُطَاوَعَةُ أُمِيتَ فِعْلُهَا الْمُجَرَّدُ، وَعَدَّوْهُ إِلَى الْمُعَاقَبِ بِمِنِ الِابْتِدَائِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مَنْشَأُ الْعُقُوبَةِ وَسَبَبُهَا وَأَنَّهُ مُسْتَوْجِبُهَا، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُجَرَّدِ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى آنِفًا: وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا [الْأَعْرَاف: ١٢٦] .