للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُوسَى عِنْدَ قَوْلِهِ: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَأَنَّ جُمْلَةَ: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ خِطَابٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ، فَهُوَ اعْتِرَاضٌ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ ذَيَّلَ اللَّهُ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ حِكَايَةَ كَلَامِ مُوسَى فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ يُجَازِي كُلَّ مُفْتَرٍ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مُوسَى عَنْ مُفْتَرِيِّ قَوْمِهِ، وَأَنَّ جُمْلَةَ: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ تَكْمِلَةٌ لِلْفَائِدَةِ بِبَيَانِ حَالَةِ أَضْدَادِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْثَالِهِمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إِلَى آخِرِهَا خِطَابًا مِنَ اللَّهِ لِمُوسَى، جَوَابًا عَنْ دُعَائِهِ لِأَخِيهِ بِالْمَغْفِرَةِ بِتَقْدِيرِ فِعْلِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ قُلْنَا إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إِلَى آخِرِهِ، مِثْلُ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا [الْبَقَرَة: ١٢٦] الْآيَة.

وسَيَنالُهُمْ يُصِيبُهُمْ.

وَالنَّوْلُ وَالنَّيْلُ: الْأَخْذُ وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِلْإِصَابَةِ وَالتَّلَبُّسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٣٧] ، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ هُمُ الَّذِينَ عَبَدُوهُ فَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لِ اتَّخَذُوا مَحْذُوفٌ اخْتِصَارًا، أَي اتخذوه إلاها.

وَتَعْرِيفُهُمْ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ، لِأَنَّهَا أَخْصَرُ طَرِيقٍ فِي اسْتِحْضَارِهِمْ بِصِفَةٍ عُرِفُوا بِهَا، وَلِأَنَّهُ يُؤْذِنُ بِسَبَبِيَّةِ مَا نَالَهُمْ مِنَ الْعِقَابِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَضَبِ ظُهُورُ أَثَرِهِ مِنَ الْخِذْلَانِ وَمَنْعِ الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْغَضَبِ فَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْحَالِ.

وَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى إِرَادَتُهُ السُّوءَ بِعَبْدِهِ وَعِقَابُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي إِحْدَاهُمَا.

وَالذِّلَّةُ: خُضُوعٌ فِي النَّفْسِ وَاسْتِكَانَةٌ مِنْ جَرَّاءِ الْعَجْزِ عَنِ الدَّفْعِ، فَمَعْنَى: نَيْلِ الذِّلَّةِ إِيَّاهُمْ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ مَغْلُوبِينَ لِمَنْ يَغْلِبُهُمْ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِتَسْلِيطِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ، أَوْ بِسَلْبِ الشُّجَاعَةِ مِنْ نُفُوسِهِمْ. بِحَيْثُ يَكُونُونَ خَائِفِينَ الْعَدُوَّ، وَلَوْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِمْ، أَوْ ذِلَّةُ الِاغْتِرَابِ إِذْ حَرَمَهُمُ اللَّهُ مُلْكَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَانُوا بِلَا وَطَنٍ طُولَ حَيَاتِهِمْ حَتَّى انْقَرَضَ ذَلِكَ الْجِيلُ كُلُّهُ، وَهَذِهِ الذِّلَّةُ عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ قَدْ لَا تَمْحُوهَا التَّوْبَةُ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ إِنَّمَا تَقْتَضِي الْعَفْوَ عَنْ عِقَابِ التَّكْلِيفِ، وَلَا تَقْتَضِي تَرْكَ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَصَائِبِ الدُّنْيَا، لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةَ مُسَبَّبَاتٌ تَنْشَأُ عَنْ أَسْبَابِهَا، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَرْفَعَهَا التَّوْبَةُ إِلَّا بِعِنَايَةٍ