للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَشَمِلَ قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ فُقْدَانِ الصَّلَاحِ مِنْهُمْ.

والصَّالِحُونَ هُمُ الْمُتَمَسِّكُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَالْمُصَدِّقُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ الْمَبْعُوثِينَ مِنْ بَعْدِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ بِعِيسَى بَعْدَ بِعْثَتِهِ، وَأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا بَعْدَ بِعْثَةِ عِيسَى غَيْرَ صَالِحِينَ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمُ: الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، وَزَادُوا بَعْدَ بعثة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِهِ، بُعْدًا عَنِ الصَّلَاحِ إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا مِنْهُمْ مثل عبد لله بْنِ سَلَامٍ، وَمُخَيْرِيقٍ.

وَانْتَصَبَ دُونَ ذلِكَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَصْفًا لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مِنْهُمُ أَيْ وَمِنْهُمْ فَرِيقٌ دُونَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مِنْ) بِمَعْنَى بَعْضٍ اسْمًا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ، فَهِيَ مُبْتَدَأٌ، ودُونَ خَبَرٌ عَنْهُ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى تَفْرِيقِهِمْ فِي الْأَرْضِ فِي مُدَّةِ مُلُوكِ بَابِلَ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِمْ بِبَابِلَ مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ مِثْلُ (دَانْيَالَ) وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ دُونُ ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّقْسِيمَ بِمِنْهُمْ مُشْعِرٌ بِوَفْرَةِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ أَيْ أَظْهَرْنَا مُخْتَلِفَ حَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، أَوْ فِي الْجَزَعِ وَالْكُفْرِ، بِسَبَبِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَهِيَ جَمْعُ حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ بِمَعْنَى الَّتِي تَحْسُنُ وَالَّتِي تَسُوءُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ [الْأَعْرَاف: ١٣١] وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَسَنَاتُ

وَالسَّيِّئَاتُ تَفْصِيلًا لِلْبَلْوَى، فَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ بَالَتِي تَحْسُنُ لِفَرِيقِ الصَّالِحِينَ وَبَالَّتِي تَسُوءُ فَرِيقَ غَيْرِهِمْ، تَوْزِيعًا لِحَالِ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي قَوْلِهِ:

بَلَوْناهُمْ.

وَجُمْلَةُ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ أَيْ رَجَاءَ أَنْ يَتُوبُوا أَيْ حِينَ يَذْكُرُونَ مُدَّةَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، أَوْ حِينَ يَرَوْنَ حُسْنَ حَالِ الصَّالِحِينَ وَسُوءَ حَالِ مَنْ هُمْ دُونَ ذَلِكَ، عَلَى حَسَبِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. وَالرُّجُوعُ هُنَا الرُّجُوعُ عَنْ نَقْضِ الْعَهْدِ وَعَنِ الْعِصْيَانِ، وَهُوَ مَعْنَى التَّوْبَةِ.

هَذَا كُلُّهُ جَرْيٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْمُفَسِّرِينَ الْآيَةَ فِي مَعْنَى قَطَّعْناهُمْ.

وَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً، عَوْدًا إِلَى أَخْبَارِ الْمِنَنِ عَلَيْهِمْ، فَيَكُونُ كَالْبِنَاءِ عَلَى قَوْلِهِ: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً [الْأَعْرَاف: ١٦٠] ،