للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ.

وَالظُّلْمُ هُنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا أَحَلُّوهُ بِهَا مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي جَعَلَهُمْ مَذْمُومِينَ فِي الدُّنْيَا وَمُعَذَّبِينَ فِي الْآخِرَةِ.

وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ لِلِاخْتِصَاصِ، أَيْ مَا ظَلَمُوا إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، وَشَأْنُ الْعَاقِلِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ نَفْسَهُ، وَفِيهِ إِزَالَةُ تَبَجُّحِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يتبعوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَغِيظُهُ وَيَغِيظُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ.

وَجُمْلَةُ: وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الصِّلَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عِنْدَ النَّبِيءِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ: ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ فَتَكُونَ تَذْيِيلًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إِخْبَارًا عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ، وَانْتِفَاءِ مِنَ الْقَصَصِ مَا ظَلَمُوا إِلَّا أَنْفُسَهُمْ.

وَقَوْلُهُ: كانُوا يَظْلِمُونَ أَقْوَى فِي إِفَادَةِ وَصْفِهِمْ بِالظُّلْمِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فِي سُورَة الْأَنْعَام [٧٥] .

[١٧٨]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٧٨]

مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِلْقِصَّةِ وَالْمَثَلِ وَمَا أُعْقِبَا بِهِ مِنْ وَصْفِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تُحَصِّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَتَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ، وَذَلِكَ أَعْلَى أَنْوَاعِ التَّذْيِيلِ، وَفِيهَا تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الْمُهْتَدِينَ وَتَلْقِينٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِلتَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِطَلَبِ الْهِدَايَةِ مِنْهُ وَالْعِصْمَةِ مِنْ مَزَالِقِ الضَّلَالِ، أَيْ فَالَّذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْحَقِّ بَعْدَ أَنْ جَاءَهُمْ دَلَّتْ حَالُهُمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ غَضِبَ عَلَيْهِمْ فَحَرَمَهُمُ التَّوْفِيقَ.

وَالْهِدَايَةُ حَقِيقَتُهَا إِبَانَةُ الطَّرِيقِ، وَتُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِرْشَادِ لِمَا فِيهِ النَّفْعُ سَوَاءٌ اهْتَدَى الْمَهْدِيُّ إِلَى مَا هُدِيَ إِلَيْهِ أَمْ لَمْ يَهْتَدِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الْإِنْسَان: ٣] وَقَالَ: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: ١٧] .

ثُمَّ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ أَتْقَنُ أَنْوَاعِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ وَأَدْوَمُهَا، مَا لَمْ تَقُمِ الْقَرِينَةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ يَعْنِي بِهِ مَنْ يُقَدِّرُ اللَّهُ اهْتِدَاءَهُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى مَنْ يُرْشِدُهُ اللَّهُ بِالْأَدِلَّةِ أَوْ بِوَاسِطَةِ الرُّسُلِ،