للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ وَاوَهَا لِلْعَطْفِ أَوْ لِلْحَالِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِهَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ إِظْهَارُ أَنَّ مَا يَوَدُّونَهُ لَيْسَ فِيهِ كَمَالُ مَصْلَحَتِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لَهُمْ مَا فِيهِ كَمَالُ مَصْلَحَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَيُرْهِبُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى الْأَصْلَحِ بِهِمْ. فَهَذَا تَلَطُّفٌ مِنَ اللَّهِ بِهِمْ.

وَالْمُرَادُ مِنَ الْإِرَادَةِ هُنَا إِرَادَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَالتَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيِّ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الذَّاتِ. فَهَذَا كَقَوْلِهِ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [الْبَقَرَة: ١٨٥] أَيْ يُسْرٌ بِكُمْ.

وَمَعْنَى يُحِقَّ الْحَقَّ: يُثْبِتُ مَا يُسَمَّى الْحَقُّ وَهُوَ ضِدُّ الْبَاطِلِ يُقَالُ: حَقَّ الشَّيْءُ، إِذَا ثَبَتَ قَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ [الزمر: ١٩] .

وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ. هُنَا: دِينُ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَقِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ [الزخرف: ٢٩] الْآيَة.

وإحقاقه باستيصال مُعَانِدِيهِ، فَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ نَفْعًا قَلِيلًا عَاجِلًا، وَأَرَادَ اللَّهُ نَفْعًا عَظِيمًا فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.

وَفِي قَوْلِهِ: لِيُحِقَّ الْحَقَّ جِنَاسُ الِاشْتِقَاقِ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ مَادَّةِ الْحَقِّ هُوَ فِعْلُ حَقَّ. وَأَنَّ أَصْلَ مَادَّةِ الْبَاطِلِ هِيَ فِعْلُ بَطَلَ. وَنَظِيرُهُ

قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِينَ قَالُوا فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ

. وَكَلِمَاتُ اللَّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ وَعَلَى كَلَامِهِ النَّفْسِيِّ، حَقِيقُهُ مِنْ أَقْوَالٍ لَفْظِيَّةٍ يَخْلُقُهَا خَلْقًا غَيْرَ مُتَعَارَفٍ لِيَفْهَمَهَا أَحَدُ الْبَشَرِ وَيُبَلِّغَهَا عَنِ اللَّهِ، مِثْلَ الْقُرْآنِ، أَوْ مَجَازًا مِنْ أَدِلَّةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ، مِثْلَ مَا يُخَاطِبُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ: ٢٣] وَفَسَّرَهُ

قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

«إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالَ لِلَّذِي قَالَ: الْحَقُّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ

. وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ يُفِيدُ الْعُمُومَ، فَقَوْلُهُ: بِكَلِماتِهِ يَعُمُّ أَنْوَاعَ الْكَلَامِ الَّذِي يُوحِي بِهِ اللَّهُ الدَّالِّ عَلَى إِرَادَتِهِ تَثْبِيتَ الْحَقِّ. مِثْلَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلَةِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَمَا أَمَرَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُصْرَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ.