للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْهَلَاكُ: الْمَوْتُ وَالِاضْمِحْلَالُ، وَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِالْحَيَاةِ. وَالْهَلَاكُ وَالْحَيَاةُ مُسْتَعَارَانِ لِمَعْنَى ذَهَابِ الشَّوْكَةِ، وَلِمَعْنَى نُهُوضِ الْأُمَّةِ وَقُوَّتِهَا، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْهَلَاكِ الْمَوْتُ، وَهُوَ أَشَدُّ الضُّرِّ فَلِذَلِكَ يُشَبَّهُ بِالْهَلَاكِ كُلُّ مَا كَانَ ضُرًّا شَدِيدًا، قَالَ تَعَالَى: يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ [التَّوْبَة:

٤٢] ، وَبِضِدِّهِ الْحَيَاةُ هِيَ أَنْفَعُ شَيْءٍ فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ فَلِذَلِكَ يُشَبَّهُ بِهَا مَا كَانَ مَرْغُوبًا، قَالَ تَعَالَى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا [يس: ٧٠] وَقَدْ جَمَعَ التَّشْبِيهَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الْأَنْعَام: ١٢٢] . فَإِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا فِي عِزَّةٍ وَمَنَعَةٍ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي قِلَّةٍ، فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ بِالنَّصْرِ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَخْفَقَ أَمْرُ الْمُشْرِكِينَ وَوَهَنُوا، وَصَارَ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى جِدَّةٍ وَنُهُوضٍ، وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ، عَنْ بَيِّنَةٍ، أَيْ عَنْ حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ تَدُلُّ عَلَى تَأْيِيدِ اللَّهِ قَوْمًا وَخَذْلِهِ آخَرِينَ بِدُونِ رَيْبٍ.

وَمِنَ الْبَعِيدِ حمل لِيَهْلِكَ ويَحْيى عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَحَمَّلَهُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:

لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ فَلَا يَتَحَمَّلُهُ فِي قَوْله: وَيَحْيى مَنْ حَيَّ لِأَنَّ حَيَاةَ الْأَحْيَاءِ ثَابِتَةٌ لَهُمْ

مِنْ قَبْلِ يَوْمِ بَدْرٍ.

وَدَلَّ مَعْنَى الْمُجَاوَزَةِ الَّذِي فِي عَنْ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى، أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ وَالْحَيَاةُ صَادِرَيْنِ عَنْ بَيِّنَةٍ وَبَارِزَيْنِ مِنْهَا.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَالْبَزِّيِّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَيَعْقُوبُ، وَخَلَفٌ «حَيِيَ» بِإِظْهَارِ الْيَاءَيْنِ، وَقَرَأَهُ الْبَقِيَّةُ: «حَيَّ» بِإِدْغَامِ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى عَلَى قِيَاسِ الْإِدْغَامِ وَهُمَا وَجْهَانِ فَصِيحَانِ.

وعَنْ لِلْمُجَاوَزَةِ الْمَجَازِيَّةِ، وَهِيَ بِمَعْنَى (بَعْدَ) ، أَيْ: بَعْدَ بَيِّنَةٍ يَتَبَيَّنُ بِهَا سَبَبُ الْأَمْرَيْنِ: هَلَاكِ مَنْ هَلَكَ، وَحَيَاةِ مَنْ حَيِيَ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ تَذْيِيلٌ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دُعَاءَ الْمُسْلِمِينَ طَلَبَ النَّصْرِ، وَسَمِيعٌ مَا جَرَى بَيْنَهُمْ مِنَ الْحِوَارِ فِي شَأْنِ الْخُرُوجِ إِلَى بَدْرٍ وَمِنْ مَوَدَّتِهِمْ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ هِيَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الَّتِي يُلَاقُونَهَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَعَلِيمٌ بِمَا يَجُولُ فِي خَوَاطِرِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْأُمُورِ الْمَسْمُوعَةِ وَبِمَا يصلح بهم وَيَبْنِي عَلَيْهِ مجد مستقبلهم.