للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْمَجَالِ، وَأُحْجِمُ عَنِ الزَّجِّ بِسِيَةِ قَوْسِي فِي هَذَا النِّضَالِ. اتِّقَاءَ مَا عَسَى أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ مِنْ مَتَاعِبَ تَنُوءُ بِالْقُوَّةِ، أَوْ فَلَتَاتِ سِهَامِ الْفَهْمِ وَإِنْ بَلَغَ سَاعِدُ الذِّهْنِ كَمَال الفتوّة، فيقيت أُسَوِّفُ النَّفْسَ مَرَّةً وَمَرَّةً أَسُومُهَا زَجْرًا، فَإِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا تَصْمِيمًا أَحَلْتُهَا عَلَى فُرْصَةٍ أُخْرَى، وَأَنَا آمُلُ أَنْ يُمْنَحَ مِنَ التَّيْسِيرِ، مَا يُشَجِّعُ عَلَى قَصْدِ هَذَا الْغَرَضِ الْعَسِيرِ، وَفِيمَا أَنَا بَيْنَ إِقْدَامٍ وَإِحْجَامٍ، أَتَخَيَّلُ هَذَا الْحَقْلَ مَرَّةً الْقَتَادَ وَأُخْرَى الثُّمَامَ إِذَا أَنَا بِأَمَلِي قَدْ خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُ تَبَاعَدَ أَو انْقَضى، إِذا قُدِّرَ أَنْ تُسْنَدَ إِلَيَّ خُطَّةُ الْقَضَا (١) ، فَبَقِيتُ مُتَلَهِّفًا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، وَأَضْمَرْتُ تَحْقِيقَ هَاتِهِ الْأُمْنِيَّةِ مَتَى أَجْمَلَ اللَّهُ الْخَلَاصَ، وَكُنْتُ أُحَادِثُ بِذَلِكَ الْأَصْحَابَ وَالْإِخْوَانَ، وَأَضْرِبُ الْمَثَلَ بِأَبِي الْوَلِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ «الْبَيَانِ» (٢) ، وَلَمْ أَزَلْ كُلَّمَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَزْدَادُ التَّمَنِّي وَأَرْجُو إِنْجَازَهُ، إِلَى أَن أَو شكّ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ، فَإِذَا اللَّهُ قَدْ مَنَّ بِالنَّقْلَةِ إِلَى خُطَّةِ الْفُتْيَا (٣) ، وَأَصْبَحَتِ الْهِمَّةُ مَصْرُوفَةً إِلَى مَا تَنْصَرِفُ إِلَيْهِ الْهِمَمُ الْعُلْيَا، فَتَحَوَّلَ إِلَى الرَّجَاءِ ذَلِكَ الْيَأْسُ، وَطَمِعْتُ أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيعلمهَا النَّاس (٤) . هُنَا لَك عَقَدْتُ الْعَزْمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَا كُنْتُ أَضْمَرْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَخَرْتُهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّ مَا يَهُولُ مِنْ تَوَقُّعِ كَلَلٍ أَوْ غَلَطٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحُولَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَسْجِ هَذَا النَّمَطِ، إِذَا بَذَلْتُ الْوُسْعَ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَتَوَخَّيْتُ طُرُقَ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ.

أَقْدَمْتُ عَلَى هَذَا الْمُهِمِّ إِقْدَامَ الشُّجَاعِ عَلَى وَادِي السِّبَاعِ (٥) مُتَوَسِّطًا فِي مُعْتَرَكِ أَنْظَارِ


(١) فِي ٢٦ رَمَضَان ١٣٣١ هـ وَالْقَضَاء هُنَا بِالْقصرِ لمراعاة السجع.
(٢) حَيْثُ ذكر أَنه شرع فِيهِ، ثمَّ عاقه عَنهُ تَقْلِيد خطة الْقَضَاء بقرطبة فعزم على الرُّجُوع إِلَيْهِ إِن أُرِيح من الْقَضَاء، وَأَنه عرض عزمه على أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين، فَأَجَابَهُ لذَلِك وأعفاه من الْقَضَاء ليعود إِلَى إِكْمَال كِتَابه «الْبَيَان والتحصيل» وَهَذَا الْكتاب هُوَ شرح جليل على كتاب «الْعُتْبِيَّة» الَّذِي جمع فِيهِ الْعُتْبِي سَماع أَصْحَاب مَالك مِنْهُ، وَسَمَاع أَصْحَاب ابْن الْقَاسِم مِنْهُ.
(٣) فِي ٢٦ رَجَب ١٣٤١ هـ.
(٤) أردْت الْإِشَارَة إِلَى الحَدِيث: «لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ» لِأَنَّهُ يتَعَيَّن أَن لَا يكون المُرَاد خُصُوص الْجمع بَين الْقَضَاء بهَا وَتَعْلِيمهَا، بل يحصل الْمَقْصُود وَلَو بِأَن يقْضى بهَا مُدَّة، وَيعلمهَا النَّاس مُدَّة أُخْرَى.
(٥) وَادي السبَاع مَوضِع بَين مَكَّة وَالْبَصْرَة وَهُوَ وَاد قفر من السكان تكْثر بِهِ السبَاع قَالَ سحيم بن وثيل:
مَرَرْت على وَادي السبَاع وَلَا أرى ... كوادي السبَاع حِين يظلم وَاديا
أقلّ بِهِ ركب أَتَوْهُ تئيّة ... وأخوف إلّا مَا وقى الله ساريا