للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ «مِنْ» الَّتِي يَتَعَدَّى بِهَا فِعْلُ أَمْكَنَ اتِّصَالِيَّةٌ مِثْلُ الَّتِي فِي قَوْلِهِمْ: لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، أَيْ أَمْكَنَكَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، أَيْ لَمْ يَنْفَلِتُوا مِنْكَ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَتَاكُمْ بِهِمْ إِلَى بَدْرٍ عَلَى غَيْرِ تَرَقُّبٍ مِنْكُمْ فَسَلَّطَكُمْ عَلَيْهِمْ.

وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تَذْيِيلٌ، أَيْ عَلِيمٌ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ حَكِيمٌ فِي مُعَامَلَتِهِمْ عَلَى حَسَبِ مَا يعلم مِنْهُم.

[٧٢]

[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٧٢]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)

هَذِهِ الْآيَاتُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلْإِعْلَامِ بِأَحْكَامِ مُوَالَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَالَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا، وَعَدَمِ مُوَالَاتِهِمْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا، نَشَأَ عَنْ قَوْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ

الْمُطَّلِبِ حِينَ أُسِرَ بِبَدْرٍ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَكْرَهُوهُ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى بَدْرٍ، وَلَعَلَّ بَعْضَ الْأَسْرَى غَيْرَهُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانُوا صَادِقِينَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ عَطَفُوا عَلَيْهِمْ وَظَنُّوهُمْ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرَهُمْ بِحُكْمِ مَنْ آمَنَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الْبَقَاءِ بِدَارِ الشِّرْكِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «مَقْصِدُ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا تَبْيِينُ مَنَازِلِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا وَالْكُفَّارِ، وَالْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذِكْرُ نِسَبِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ» .

وَتَعَرَّضَتِ الْآيَةُ إِلَى مَرَاتِبِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فَابْتَدَأَتْ بِبَيَانِ فَرِيقَيْنِ اتَّحَدَتْ أَحْكَامُهُمْ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمُؤَاسَاةِ حَتَّى صَارُوا بِمَنْزِلَةِ فَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ فَرِيقَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ