للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْمَوْصُولُ هُنَا لِلْعَهْدِ، وَهُمْ أَخَصُّ مِنَ الَّذِينَ مَضَى فِيهِمْ قَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً [التَّوْبَة: ٤] .

وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ: التَّنْوِيهُ بِخَصْلَةِ وَفَائِهِمْ بِمَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ عَاهَدُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَدَخَلُوا فِي الصُّلْحِ الَّذِي عَقَدَهُ مَعَ قُرَيْشٍ بِخُصُوصِهِمْ، زِيَادَةً عَلَى دُخُولِهِمْ فِي الصُّلْحِ الْأَعَمِّ، وَلَمْ يَنْقُضُوا

عَهْدَهُمْ، وَلَا ظَاهَرُوا عَدُوًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، إِلَى وَقْتِ نُزُولِ بَرَاءَةٌ. عَلَى أَنَّ مُعَاهَدَتَهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَبْعَدُ عَنْ مَظِنَّةِ النَّكْثِ لِأَنَّ الْمُعَاهَدَةَ عِنْدَهُ أَوْقَعُ فِي نُفُوسِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْحَلِفِ الْمُجَرَّدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُمْ لَا أَيْمانَ لَهُمْ [التَّوْبَة: ١٢] .

وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ مَنْ عَاهَدَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ الْمُتَوَهِّمُ، لِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِأَنْ يُعَاهِدَ فَرِيقًا آخَرَ مِنْهُمْ.

وَقَوْلُهُ: فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ تَفْرِيعٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. فَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ، أَيْ مَا دَامُوا مُسْتَقِيمِينَ لَكُمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ لِعَهْدِهِمْ حُرْمَةً زَائِدَةً لِوُقُوعِهِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حول الْكَعْبَة.

وفَمَا ظَرْفِيَّةٌ مُضَمَّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَالْفَاء الدَّاخِلَة على فَاءُ التَّفْرِيعِ. وَالْفَاءُ الْوَاقِعَةُ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ فَاءُ جَوَابِ الشَّرْطِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الظَّرْفَ وَالْمَجْرُورَ إِذَا قُدِّمَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ قَدْ يُشْرَبُ مَعْنَى الشَّرْطِ فَتَدْخُلُ الْفَاءُ فِي جَوَابِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ [المطففين: ٢٦] لِوُجُوبِ جَعْلِ الْفَاءِ غَيْرَ تَفْرِيعِيَّةٍ، لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَهَا الْعَطْفُ بِالْوَاوِ،

وَقَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّ عَلَيْكُمْ»

بِجَزْمِ الْفِعْلَيْنِ،

وَقَوْلُهُ لِمَنْ سَأَلَهُ أَنْ يُجَاهِدَ وَسَأَلَهُ الرَّسُولُ «أَلَكَ أَبَوَانِ» قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»

فِي رِوَايَتِهِ بِفَاءَيْنِ. وَالِاسْتِقَامَةُ: حَقِيقَتُهَا عَدَمُ الِاعْوِجَاجِ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلَ اسْتَجَابَ واستحبّ، وَإِذَا قَامَ الشَّيْءُ انْطَلَقَتْ قَامَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اعْوِجَاجٌ، وَهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ