للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَيْسَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، بَلْ لِذِكْرِ مَنْ لَمْ يُقْتَلُوا، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْفِعْلُ فِيهَا مَرْفُوعًا، فَدَلَّ هَذَا النَّظْمُ عَلَى أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى قَوْمٍ آخَرِينَ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ خَانُوا وَغَدَرُوا، وَلَمْ يُقْتَلُوا، بَلْ أَسْلَمُوا مِنْ قَبْلِ هَذَا الْأَمْرِ أَوْ بَعْدَهُ. وَتَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: هِيَ قَبُولُ إِسْلَامِهِمْ أَوْ دُخُولُهُمْ فِيهِ، وَفِي هَذَا إِعْذَارٌ وَإِمْهَالٌ لِمَنْ تَأَخَّرَ. وَإِنَّمَا لَمْ تُفْصَلِ الْجُمْلَةُ: لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مَضْمُونَهَا مِنْ بَقِيَّةِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَنَاسَبَ انْتِظَامَهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا. فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَسُلَيْمِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو (ذكر هَذَا الثَّالِثَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي الصَّحَابَةِ) .

وَالتَّذْيِيلُ بِجُمْلَةِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِإِفَادَةِ أَنَّ اللَّهَ يُعَامِلُ النَّاسَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ نِيَّاتِهِمْ، وَأَنَّهُ حَكِيمٌ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا فِيهِ تَحْقِيقُ الْحِكْمَةِ، فَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ امْتِثَالُ أَوَامِرِهِ، وَأَنَّهُ يَقْبَلُ تَوْبَةَ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تكثيرا للصلاح.

[١٦]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١٦]

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦)

أَمْ مُنْقَطِعَةٌ لِإِفَادَةِ الْإِضْرَابِ عَنْ غَرَضٍ مِنَ الْكَلَامِ لِلِانْتِقَالِ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ.

وَالْكَلَامُ بَعْدَ أَمْ الْمُنْقَطِعَةِ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِفْهَامِ دَائِمًا، فَقَوْلُهُ: حَسِبْتُمْ فِي قُوَّةِ (أَحَسِبْتُمْ) وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُقَدَّرُ إِنْكَارِيٌّ.

وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ، عَلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ فِي مُدَّةِ إِسْلَامِهِمْ، فَشَمِلَ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ.