للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (مَا) فِي قَوْلِهِ: وَمَا لَكُمْ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ إِنْكَارِيٍّ، وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ، ولَكُمْ خَبَرٌ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ ثَبَتَ لَكُمْ.

وإِذا ظَرْفٌ تَعَلَّقَ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ عَلَى مَعْنَى: أَنَّ الْإِنْكَارَ حَاصِلٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ: انْفِرُوا، وَلَيْسَ مُضَمَّنًا مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ ظَرْفُ مُضِيٍّ.

وَجُمْلَةُ اثَّاقَلْتُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ، وَتِلْكَ الْحَالَةُ هِيَ مَحَلُّ الْإِنْكَارِ، أَيْ: مَا لَكُمْ مُتَثَاقِلِينَ. يُقَال: مَا لَك فَعَلْتَ كَذَا، وَمَا لَك تَفْعَلُ كَذَا كَقَوْلِهِ: مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ [الصافات: ٢٥] ، وَمَا لَك فَاعِلًا، كَقَوْلِهِ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النِّسَاء: ٨٨] .

وَالنَّفْرُ: الْخُرُوجُ السَّرِيعُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْحَرْبِ، وَمَصْدَرُهُ حِينَئِذٍ النَّفِيرُ.

وَسَبِيلُ اللَّهِ: الْجِهَادُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَى اللَّهِ، أَيْ إِلَى رِضَاهُ.

واثَّاقَلْتُمْ أَصْلُهُ تَثَاقَلْتُمْ قُلِبَتِ التَّاءُ الْمُثَنَّاةُ ثَاءً مُثَلَّثَةً لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا طَلَبًا لِلْإِدْغَامِ، وَاجْتُلِبَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِإِمْكَانِ تَسْكِينِ الْحَرْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الْكَلِمَةِ عِنْدَ إِدْغَامِهِ.

(وَالتَّثَاقُلُ) تَكَلُّفُ الثِّقَلِ، أَيْ إِظْهَارُ أَنَّهُ ثَقِيلٌ لَا يَسْتَطِيعُ النُّهُوضَ.

وَالثِّقَلُ حَالَةٌ فِي الْجِسْمِ تَقْتَضِي شِدَّةَ تَطَلُّبِهِ لِلنُّزُولِ إِلَى أَسْفَلَ، وَعُسْرَ انْتِقَالِهِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي الْبُطْءِ مَجَازًا مُرْسَلًا، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ بُطْأَهُمْ لَيْسَ عَنْ عَجْزٍ، وَلَكِنَّهُ عَنْ تَعَلُّقٍ بِالْإِقَامَةِ فِي بِلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.

وَعُدِّيَ التَّثَاقُلُ بِ إِلَى لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْمَيْلِ وَالْإِخْلَادِ، كَأَنَّهُ تَثَاقُلٌ يَطْلُبُ فَاعِلُهُ الْوُصُولَ إِلَى الْأَرْضِ لِلْقُعُودِ وَالسُّكُونِ بِهَا.

وَالْأَرْضُ مَا يَمْشِي عَلَيْهِ النَّاسُ.

وَمَجْمُوعُ قَوْلِهِ: اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْكَارِهِينَ لِلْغَزْوِ الْمُتَطَلِّبِينَ لِلْعُذْرِ عَنِ الْجِهَادِ كَسَلًا وَجُبْنًا بِحَالِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ النُّهُوضُ وَالْخُرُوجُ، فَيُقَابِلُ