للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُقُوطُ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ عَهْدِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عُمَرَ قَطَعَ إِعْطَاءَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مَعَ أَنَّ صِنْفَهُمْ لَا يَزَالُ مَوْجُودًا، رَأَى أَنَّ اللَّهَ أَغْنَى دِينَ الْإِسْلَامِ بِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ فَلَا مَصْلَحَةَ لِلْإِسْلَامِ فِي دَفْعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ لِتَأْلِيفِ قُلُوبِ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْإِسْلَامُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ فِعْلَ عُمَرَ وَسُكُوتَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا فَجَعَلُوا ذَلِكَ نَاسِخًا لِبَعْضِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مِنَ النَّسْخِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي عَدِّ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ فِي قُوَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَوْلِيِّ نِزَاعٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَفِي هَذَا الْبِنَاءِ نَظَرٌ، كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: هُمْ بَاقُونَ إِذَا وُجِدُوا فَإِنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَسْتَأْلِفَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: «الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ إِنْ قَوِيَ الْإِسْلَامُ زَالُوا وَإِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِمْ أُعْطُوا» . أَيْ فَهُوَ يَرَى بَقَاءَ هَذَا الْمَصْرِفِ وَيَرَى أَنَّ عَدَمَ إِعْطَائِهِمْ فِي زَمَنِ عُمَرَ لِأَجْلِ عِزَّةِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» «وَالصَّحِيحُ بَقَاءُ حُكْمِهِمْ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِمْ» . وَهَذَا الَّذِي لَا يَنْبَغِي تَقَلُّدُ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الرِّقَابُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى وَفِي الرِّقابِ فِي شِرَاءِ الرَّقِيقِ لِلْعِتْقِ، وَدَفْعِ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالٍ تَحْصُلُ بِهِ حُرِّيَّتُهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ لَا يُعَانُ بِهَا الْمُكَاتَبُ وَلَوْ كَانَ آخِرَ نَجْمٍ تَحْصُلُ بِهِ حُرِّيَّتُهُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ. وَقِيلَ: لَا تُعْطَى إِلَّا فِي إِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى نُجُومِهِ، دُونَ الْعِتْقِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَاخْتُلِفَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ فِي عِتْقِ بَعْضِ عَبْدٍ أَوْ نُجُومِ كِتَابَةٍ لَيْسَ بِهَا تَمَامُ حُرِّيَّةِ الْمُكَاتَبِ، فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكُ وَالزُّهْرِيُّ وَقِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ. وَفِدَاءُ الْأَسْرَى مِنْ فَكِّ الرِّقَابِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَابْنِ حَبِيبٍ، خِلَافًا لِأَصْبَغَ، مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَأَمَّا الْغَارِمُونَ فَشَرْطُهُمْ أَنْ لَا يَكُونَ دِينُهُمْ فِي مَعْصِيَةٍ إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا. وَالْمَيِّتُ الْمَدِينُ الَّذِي لَا وَفَاءَ لِدِينِهِ فِي تَرِكَتِهِ يُعَدُّ مِنَ الْغَارِمِينَ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ، خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ.

وَسَبِيلِ اللَّهِ لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ الْغَزْوَ هُوَ الْمَقْصُودُ، فَيُعْطَى الْغُزَاةُ الْمُحْتَاجُونَ فِي بَلَدِ الْغَزْوِ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فِي بَلَدِهِمْ، وَأَمَّا الْغُزَاةُ الْأَغْنِيَاءُ فِي بَلَدِ الْغَزْوِ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُمْ