للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٦٣]

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ مِنْ جُمْلَةِ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التَّوْبَة: ٦٢] مَنْزِلَةَ التَّعْلِيلِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَرْضَى لنَفسِهِ عملا يؤول بِهِ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْعَذَابِ، فَلَا يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَصِيرُ إِلَى هَذَا الْمصير السيّء.

وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ وَالتَّشْنِيعِ، لِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ مُحَقَّقٌ بِضَرُورَةِ أَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِالرَّسُولِ، وَبِأَنَّ رِضَى اللَّهِ عِنْدَ رِضَاهُ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ غَرِيبًا لِوُجُودِ الدَّلَائِلِ الْمُقْتَضِيَةِ أَنَّهُ مِمَّا يَحِقُّ أَنْ يَعْلَمُوهُ، كَانَ حَالُ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ حَالًا مُنْكَرًا.

وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ هَذَا وَنَحْوِهِ فِي الْإِعْلَامِ بِأَمْرٍ مُهِمٍّ، كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [التَّوْبَة: ١٠٤] وَقَوْلِهِ: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ [التَّوْبَة: ٧٨] وَقَوْلِ مَوْيَالِ بْنِ جَهْمٍ الْمَذْحِجِيِّ، أَوْ مُبَشِّرِ بْنِ هُذَيْلٍ الْفَزَارِيِّ:

أَلَمْ تَعْلَمِي يَا عَمْرَكِ اللَّهَ أَنَّنِي ... كَرِيمٌ عَلَى حِينِ الْكِرَامُ قَلِيلُ

فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَلْيَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ إِلَخْ.

وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ بِ أَنَّهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَفُسِّرَ الضَّمِيرُ بِجُمْلَةِ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ

إِلَى آخِرِهَا.

وَالْمَعْنَى: أَلَمْ يَعْلَمُوا شَأْنًا عَظِيمًا هُوَ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَهُ نَارُ جَهَنَّمَ.

وَفَكُّ الدَّالَانِ مِنْ يُحادِدِ وَلَمْ يُدْغَمَا لِأَنَّهُ وَقَعَ مَجْزُومًا فَجَازَ فِيهِ الْفَكُّ وَالْإِدْغَامُ، وَالْفَكُّ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْإِدْغَامُ نَحْوَ قَوْلِهِ:

وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ [٤] فِي قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ لُغَةُ تَمِيمٍ.

والمحادّة: الْمُعَادَاةُ وَالْمُخَالَفَةُ.

وَالْفَاءُ فِي فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ لِرَبْطِ جَوَابِ شَرْطِ مَنْ.