للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَلَعَلَّ مِنْ حِكْمَةِ الْإِعْلَامِ بِهَذَا الْجِهَادِ تَهْيِئَةَ الْمُسْلِمِينَ لِجِهَادِ كُلِّ قَوْمٍ يَنْقُضُونَ عُرَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، كَمَا فَعَلَ الَّذِينَ مَنَعُوا الزَّكَاةَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ حَقُّ الرَّسُولِ فِي حَيَاتِهِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا نِفَاقٌ مِنْ قَادَتِهِمُ اتَّبَعَهُ دَهْمَاؤُهُمْ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَانَتْ سَبَبًا فِي انْزِجَارِ مُعْظَمِ الْمُنَافِقِينَ عَنِ النِّفَارِ وَإِخْلَاصِهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدٍ. وَكَانَ قَدْ كَفَى اللَّهُ شَرَّ مُتَوَلِّي كِبْرِ النِّفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ بِمَوْتِهِ فَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ كَافِيًا عَنْ إِعْمَالِ الْأَمْرِ بِجِهَادِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [الْأَحْزَاب: ٢٥] .

وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى التَّكْفِيرِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ مِنْ قَائِلِهِ أَوْ فَاعِلِهِ دَلَالَةً بَيِّنَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَنَ الْكُفْرَ.

وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ بِأَنْ يَكُونَ غَلِيظًا مَعَهُمْ. وَالْغِلْظَةُ يَأْتِي مَعْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ:

وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً فِي هَذِهِ السُّورَةِ [١٢٣] .

وَإِنَّمَا وُجِّهَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَى الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لِأَنَّهُ جُبِلَ عَلَى الرَّحْمَةِ

فَأُمِرَ بِأَنْ يَتَخَلَّى عَنْ جِبِلَّتِهِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَنْ لَا يُغْضِي عَنْهُمْ كَمَا كَانَ شَأْنُهُ مِنْ قَبْلُ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي نَسْخَ إِعْطَاءِ الْكُفَّارِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَبْقَى ذَلِكَ لِلدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ حَدِيثًا.

وَجُمْلَةُ: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ تَذْيِيلٌ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ مَرَّاتٍ. وَالْمَأْوَى مَا يَأْوِي إِلَيْهِ الْمَرْءُ مِنَ الْمَكَانِ، أَيْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ.

وَالْمَصِيرُ الْمَكَانُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ الْمَرْءُ، أَيْ يَرْجِعُ فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَأْوَى بِالِاعْتِبَارِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا هُنَا تَفَنُّنٌ