للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُخَالَفَةً لِإِرَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ حِينَ اسْتَنْفَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِلْغَزْوِ. وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ، أَيْ بِمَقْعَدِهِمْ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ الرَّسُولِ.

وَكَرَاهِيَتُهُمُ الْجِهَادَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَصْلَةٌ أُخْرَى مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التَّوْبَة:

٤١] الْآيَةَ، وَلِكَوْنِهَا خَصْلَةً أُخْرَى جُعِلَتْ جُمْلَتُهَا مَعْطُوفَةً وَلَمْ تُجْعَلْ مُقْتَرِنَةً بِلَامِ التَّعْلِيلِ مَعَ أَنَّ فَرَحَهُمْ بِالْقُعُودِ سَبَبُهُ هُوَ الْكَرَاهِيَةُ لِلْجِهَادِ.

وَقَوْلُهُمْ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ خِطَابُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَكَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي وَقْتِ الْحَرِّ حِينَ طَابَتِ الظِّلَالُ.

وَجُمْلَةُ: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ خِطَابٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَقْصُودُ قَرْعُ أَسْمَاعِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ.

وَكَوْنُ نَارِ جَهَنَّمَ أَشَدَّ حَرًّا مِنْ حَرِّ الْقَيْظِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ.

فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّذْكِيرِ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ تَعْرِيضًا بِتَجْهِيلِهِمْ لِأَنَّهُمْ حَذِرُوا مِنْ حَرٍّ قَلِيلٍ وَأَقْحَمُوا أَنْفُسَهُمْ فِيمَا يَصِيرُ بِهِمْ إِلَى حَرٍّ أَشَدَّ. فَيَكُونُ هَذَا التَّذْكِيرُ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِمْ وَاقِعِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لِأَجْلِ قُعُودِهِمْ عَنِ الْغَزْوِ فِي الْحَرِّ، وَفِيهِ كِنَايَةٌ عُرْضِيَّةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ صَائِرِينَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ.

وَجُمْلَةُ: لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ تَتْمِيمٌ، لِلتَّجْهِيلِ وَالتَّذْكِيرِ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ الذِّكْرَى، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ، فَلَا تُجْدِي فِيهِمُ الذكرى وَالْمَوْعِظَة، إِذا لَيْسَ الْمُرَادُ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ أَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى النَّارِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يفقهُونَ ذَلِك.

[٨٢]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٨٢]

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)

تَفْرِيعُ كَلَامٍ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ مِنْ ذِكْرِ فَرَحِهِمْ، وَمِنْ إِفَادَةِ قَوْلِهِ: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا [التَّوْبَة: ٨١] مِنَ التَّعْرِيضِ بِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا وَصَائِرُونَ إِلَيْهَا.