للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثَانِيهَا: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عُطِفَ فِيهَا الْأَوْلَادُ عَلَى الْأَمْوَالِ بِدُونِ إِعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ، وَفِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ أُعِيدَتْ (لَا) النَّافِيَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْأَوْلَادِ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ لِمُجَرَّدِ التَّكْمِلَةِ وَالِاسْتِطْرَادِ إِذِ الْمَقَامُ مَقَامُ ذَمِّ أَمْوَالِهِمْ إِذْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا فَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ الْأَوْلَادِ تَكْمِلَةً كَانَ شَبِيهًا بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقِلِّ فَأُعِيدَ حَرْفُ النَّفْيِ فِي عَطْفِهِ، بِخِلَافِ مَقَامِ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ مَعًا مَقْصُودٌ تَحْقِيرُهُمَا فِي نَظَرِ الْمُسْلِمِينَ.

ثَالِثُهَا: أَنَّهُ جَاءَ هُنَا قَوْلُهُ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِإِظْهَارِ أَنْ دُونَ لَامٍ، وَفِي

الْآيَةِ السَّالِفَةِ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ [التَّوْبَة: ٥٥] بِذِكْرِ لَامِ التَّعْلِيلِ وَحَذْفِ (أَنْ) بَعْدَهَا وَقَدِ اجْتَمَعَ الِاسْتِعْمَالَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٦، ٢٧] . وَحَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ (أَنْ) كَثِيرٌ. وَهُنَالِكَ قُدِّرَتْ أَنْ بَعْدَ اللَّامِ وَتَقْدِيرُ (أَنْ) بَعْدَ اللَّامِ كَثِيرٌ. وَمِنْ مَحَاسِنِ التَّأْكِيدِ الِاخْتِلَافُ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ تَفَنُّنٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ اللَّامَ وَنَحْوَهَا قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: تُفِيدُ التَّعْلِيلَ.

وَسَمَّاهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ (لَامَ أَنْ) ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٦] .

رَابِعُهَا: أَنَّهُ جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَجَاءَ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [التَّوْبَة: ٥٥] وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ السَّالِفَةَ ذَكَرَتْ حَالَةَ أَمْوَالِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إِلَى ذِكْرِ الْحَيَاةِ. وَهُنَا ذُكِرَتْ حَالَةُ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ لِقَوْلِهِ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التَّوْبَة: ٨٤] فَقَدْ صَارُوا إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى وَانْقَطَعَتْ حَيَاتُهُمُ الدُّنْيَا وَأَصْبَحَتْ حَدِيثًا.

وَبَقِيَّةُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ كَتَفْسِيرِ سالفتها.

[٨٦]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٨٦]

وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦)

هَذَا عَطْفُ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ قُصِدَ بِهِ الِانْتِقَالُ إِلَى تَقْسِيمِ فِرَقِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْجِهَادِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ وَأَنْوَاعِ مَعَاذِيرِهِمْ وَمَرَاتِبِهَا فِي الْقَبُولِ. دَعَا إِلَيْهِ الْإِغْلَاظُ