للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالسَّبِيلُ: أَصْلُهُ الطَّرِيقُ وَيُطْلَقُ عَلَى وَسَائِلِ وَأَسْبَابِ الْمُؤَاخَذَةِ بِاللَّوْمِ وَالْعِقَابِ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَسَائِلَ تُشْبِهُ الطَّرِيقَ الَّذِي يَصِلُ مِنْهُ طَالِبُ الْحَقِّ إِلَى مَكَانِ الْمَحْقُوقِ، وَلِمُرَاعَاةِ هَذَا الْإِطْلَاقِ جُعِلَ حَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ فِي الْخَبَرِ عَنِ السَّبِيلِ دُونَ حَرْفِ الْغَايَةِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النِّسَاء: ٣٤] وَقَوْلُهُ: فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا كِلَاهُمَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٩٠] . فَدَخَلَ فِي الْمُحْسِنِينَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَصَحُوا لِلَّهِ

وَرَسُولِهِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِأَنَّ هَذَا مَرْمًى آخَرُ هُوَ أَسْمَى وَأَبْعَدُ غَايَةً.

ومِنْ مُؤَكِّدَةٌ لِشُمُولِ النَّفْيِ لِكُلِّ سَبِيلٍ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَذْيِيلٌ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، أَيْ شَدِيدُ الْمَغْفِرَةِ وَمِنْ مَغْفِرَتِهِ أَنْ لَمْ يُؤْاخَذْ أَهْلُ الْأَعْذَارِ بِالْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ. شَدِيدُ الرَّحْمَةِ بِالنَّاسِ وَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنْ لَمْ يُكَلِّفْ أَهْلَ الْإِعْذَارِ مَا يشق عَلَيْهِم.

[٩٢]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٩٢]

وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢)

عَطْفٌ عَلَى الضُّعَفاءِ والْمَرْضى [التَّوْبَة: ٩١] وَإِعَادَةُ حَرْفِ النَّفْيِ بَعْدَ الْعَاطِفِ لِلنُّكْتَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُنَالِكَ.

وَالْحَمْلُ يُطْلَقُ عَلَى إِعْطَاءِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ، أَيْ إِذَا أَتَوْكَ لِتُعْطِيَهُمُ الْحَمُولَةَ، أَيْ مَا يَرْكَبُونَهُ وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهِ سِلَاحَهُمْ وَمُؤَنَهُمْ مِنَ الْإِبِلِ.

وَجُمْلَةُ: قُلْتَ لَا أَجِدُ إِلَخْ إِمَّا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ فِي أَتَوْكَ وَإِمَّا بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ فِعْلِ أَتَوْكَ لِأَنَّ إِتْيَانَهُمْ لِأَجْلِ الْحَمْلِ يَشْتَمِلُ عَلَى إِجَابَةٍ، وَعَلَى مَنْعٍ.

وَجُمْلَةُ تَوَلَّوْا جَوَابُ إِذا وَالْمَجْمُوعُ صِلَةُ الَّذِينَ.

وَالتَّوَلِّي الرُّجُوعُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ [الْبَقَرَة: ١٤٢] وَقَوْلُهُ: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ