للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْمَالِهِمْ، وَلِذَلِكَ أَرْدَفَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، أَيْ تَصِيرُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى اللَّهِ. فَالرَّدُّ بِمَعْنَى الْإِرْجَاعِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٦٢] .

وَالرَّدُّ: الْإِرْجَاعُ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَصِيرُ النُّفُوسِ إِلَى عَالَمِ الْخُلْدِ الَّذِي لَا تُصْرَفُ فِيهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَوْ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ. وَلَمَّا كَانَتِ النُّفُوسُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقَدْ أَنْزَلَهَا إِلَى عَالَمِ الْفَنَاءِ

الدُّنْيَوِيِّ فَاسْتَقَلَّتْ بِأَعْمَالِهَا مُدَّةَ الْعُمْرِ كَانَ مَصِيرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ عِنْدَ الْبَعْثِ إِلَى تَصَرُّفِ اللَّهِ فِيهَا شَبِيهًا بِرَدِّ شَيْءٍ إِلَى مَقَرِّهِ أَوْ إِرْجَاعِهِ إِلَى مَالِكِهِ.

وَالْغَيْبُ: مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ النَّاسِ. وَالشَّهَادَةُ: الْمُشَاهَدَةُ. وَاللَّامُ فِي الْغَيْبِ والشَّهادَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ كُلِّ غَيْبٍ وَكُلِّ شَهَادَةٍ.

وَالْعُدُولُ عَنْ أَنْ يُقَالَ: لِمَ تُرَدُّونَ إِلَيْهِ، أَيْ إِلَى اللَّهِ، لِمَا فِي الْإِظْهَارِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، زِيَادَةً فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ.

وَالْإِنْبَاءُ: الْإِخْبَارُ. وَمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: عِلْمُ كُلِّ عَمَلٍ عَمِلُوهُ.

وَاسْتَعْمَلَ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْمُجَازَاةُ عَلَى كُلِّ مَا عَمِلُوهُ، أَيْ فَتَجِدُونَهُ عَالِمًا بِكُلِّ مَا عَمِلْتُمُوهُ. وَهُوَ كِنَايَةٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُجَازَاةِ فِي مَقَامِ الْإِجْرَامِ وَالْجِنَايَةِ لَازِمٌ لِعُمُومِ عِلْمِ مَلِكِ يَوْمَ الدِّينِ بِكُلِّ مَا عملوه.

[٩٥]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٩٥]

سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥)

الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ تَعْدَادٌ لأحوالهم. وَمَعْنَاهَا ناشىء عَنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ [التَّوْبَة: ٩٤] تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرْعَوُونَ عَنِ الْكَذِبِ وَمُخَادِعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ [التَّوْبَة: ٩٤] حَلَفُوا عَلَى أَنَّهُمْ صَادِقُونَ تَرْوِيجًا لِخِدَاعِهِمْ: