للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (عَسَى) : فِعْلُ رَجَاءٍ. وَهِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُخَاطَبِ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ وُقُوعِ الْمَرْجُوِّ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ تَابَ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّ ذِكْرَ فِعْلِ الرَّجَاءِ يَسْتَتْبِعُ مَعْنَى اخْتِيَارِ الْمُتَكَلِّمِ فِي وُقُوعِ الشَّيْءِ وَعَدَمِ وُقُوعِهِ.

وَمَعْنَى: أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَيْ يَقْبَلَ تَوْبَتَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٧] .

وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَذْيِيلٌ مُنَاسِب للمقام.

[١٠٣]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١٠٣]

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)

لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ تَدَارُكَ مَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ مِمَّا فَاتَ وَكَانَ التَّخَلُّفُ عَنِ الْغَزْوِ مُشْتَمِلًا عَلَى أَمْرَيْنِ هُمَا عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْجِهَادِ، وَعَدَمُ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْجِهَادِ، جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِرْشَادٌ لِطَرِيقِ تَدَارُكِهِمْ مَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ مِمَّا فَاتَ وَهُوَ نَفْعُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَالِ، فَالْإِنْفَاقُ الْعَظِيمُ عَلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ اسْتَنْفَدَ الْمَالَ الْمُعَدَّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا أُخِذَ مِنَ الْمُخَلَّفِينَ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ انْجَبَرَ بِهِ بَعْضُ الثَّلْمِ الَّذِي حَلَّ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ.

فَهَذَا وَجْهُ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ

رُوِيَ أَنَّ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ قَالُوا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ أَمْوَالُنَا الَّتِي بِسَبَبِهَا تَخَلَّفْنَا عَنْكَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهَا وَطَهِّرْنَا

وَاسْتَغْفِرْ لَنَا، فَقَالَ لَهُم: لم أومر بِأَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ. حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَأَخَذَ مِنْهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَاتِهِمْ

، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى آخَرِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ.

وَالتَّاءُ فِي تُطَهِّرُهُمْ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تَاءَ الْخِطَابِ نَظَرًا لِقَوْلِهِ: خُذْ، وَأَنْ تَكُونَ تَاءُ الْغَائِبَةِ عَائِدَةً إِلَى الصَّدَقَة. وأيّاما كَانَ فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تُطَهِّرُ وَتُزَكِّي.