للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : الْآيَات ١٠٧ إِلَى ١٠٨]

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)

هَذَا كَلَامٌ عَلَى فَرِيقٍ آخَرَ مِنَ الْمُؤَاخَذِينَ بِأَعْمَالٍ عَمِلُوهَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ

أَجْلِهَا، وَهُمْ فَرِيقٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَنَوْا مَسْجِدًا حَوْلَ قُبَاءَ لِغَرَضٍ سَيِّءٍ لِيَنْصَرِفَ إِخْوَانُهُمْ عَنْ مَسْجِدِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَنْفَرِدُوا مَعَهُمْ بِمَسْجِدٍ يَخُصُّهُمْ.

فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا غَيْرَ مُفْتَتَحَةٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ. وَنُكْتَةُ الِاسْتِئْنَافِ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ حَالِ الْمُرَادِ بِهَا وَبَيْنَ حَالِ الْمُرَادِ بِالْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهُمُ الْمُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ. وَقَرَأَهَا الْبَقِيَّةُ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي أَوَّلِهَا، فَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا مِثْلُهَا فِي ذِكْرِ فَرِيقٍ آخَرَ مِثْلِ مَنْ ذُكِرَ فِيمَا قَبْلَهَا. وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ فَالْكَلَامُ جُمْلَةٌ إِثْرَ جُمْلَةٍ وَلَيْسَ مَا بَعْدَ الْوَاوِ عَطْفَ مُفْرَدٍ.

وَقَوْلُهُ الَّذِينَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ جُمْلَةُ: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً كَمَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَالرَّابِطُ هُوَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَقُمْ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَفْعُولُ صِلَةِ الْمَوْصُولِ فَهُوَ سَبَبِيٌّ لِلْمُبْتَدَأِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: لَا تَقُمْ فِي مَسْجِدٍ اتَّخَذُوهُ ضِرَارًا، أَوْ فِي مَسْجِدِهِمْ، كَمَا قَدَّرَهُ الْكِسَائِيُّ. وَمَنْ أَعْرَبُوا أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ [التَّوْبَة: ١٠٩] خَبَرًا فَقَدْ بَعُدُوا عَنِ الْمَعْنَى.

وَالْآيَةُ أَشَارَتْ إِلَى قِصَّةِ اتِّخَاذِ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِدًا قُرْبَ مَسْجِدِ قُبَاءَ لِقَصْدِ الضِّرَارِ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي غُنْمِ بْنِ عَوْفٍ وَبَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي. كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا سَمَّاهُمُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَكَانَ سَبَبُ بِنَائِهِمْ إِيَّاهُ أَنَّ أَبَا عَامِرٍ