للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَهِيَ اسْتِجَابَتُهُ لِتَوْبَتِهِمْ مِنْ ذَنْبِهِمْ.

وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ: هُمْ مَجْمُوعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ جَيْشُ الْعُسْرَةِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَلَكِنَّهُمْ خُصُّوا بِالثَّنَاءِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَرَدَّدُوا وَلَمْ يَتَثَاقَلُوا وَلَا شَحُّوا بِأَمْوَالِهِمْ، فَكَانُوا أُسْوَةً لِمَنِ اتَّسَى بِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِلِ.

وَوَصْفُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار بِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ لِصِلَةِ الْمَوْصُولِ تَسَبُّبًا فِي هَذِهِ الْمَغْفِرَةِ.

وَمَعْنَى اتَّبَعُوهُ أَطَاعُوهُ وَلَمْ يُخَالِفُوا عَلَيْهِ، فَالِاتِّبَاعُ مَجَازِيٌّ.

وَالسَّاعَةُ: الْحِصَّةُ مِنَ الزَّمَنِ.

وَالْعُسْرَةُ: اسْمُ الْعُسْرِ، زِيدَتْ فِيهِ التَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ وَهِيَ الشِّدَّةُ. وَسَاعَةُ الْعُسْرَةِ هِيَ زَمَنُ اسْتِنْفَارِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمْتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا

الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ

[التَّوْبَة: ٣٨] فَالَّذِينَ انْتُدِبُوا وَتَأَهَّبُوا وَخَرَجُوا هُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، فَأَمَّا مَا بَعْدَ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ فَذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الِاتِّبَاعُ وَلَكِنَّهُ الْجِهَادُ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ مَا كادَ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَيْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِ اتَّبَعُوهُ أَيِ اتَّبَعُوا أَمْرَهُ بَعْدَ أَنْ خَامَرَ فَرِيقًا مِنْهُمْ خَاطِرُ التَّثَاقُلِ وَالْقُعُودِ وَالْمَعْصِيَةِ بِحَيْثُ يُشْبِهُونَ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ، وَهَذَا الزَّيْغُ لَمْ يَقَعْ وَلَكِنَّهُ قَارَبَ الْوُقُوعَ.

وكادَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ تَعْمَلُ فِي اسْمَيْنِ عَمَلَ كَانَ، وَاسْمُهَا هُنَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مُقَدَّرٌ، وَخَبَرُهَا هُوَ جُمْلَةُ الْخَبَرِ عَنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ اسْمُهَا هُنَا ضَمِيرَ شَأْنٍ لِتَهْوِيلِ شَأْنِهِمْ حِينَ أَشْرَفُوا عَلَى الزَّيْغِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَزِيغُ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٌ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْفِعْلِ الْمُسْنَدِ لِجَمْعِ تَكْسِيرٍ ظَاهِرٍ.