للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْ وَرَاءِ صَرِيحِ هَذَا الْكَلَامِ تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ لِلْمُنَافِقِينَ، إِذْ قَدْ ظَهَرَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَهُمْ أَشَدُّ قُرْبًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَدِينَةِ. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التَّوْبَة: ٧٣] .

وَجُمْلَةُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ تَأْيِيدٌ وَتَشْجِيعٌ وَوَعْدٌ بِالنَّصْرِ إِنِ اتَّقَوْا بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ.

وَافْتُتِحَتِ الْجُمْلَةُ بِ اعْلَمُوا لِلِاهْتِمَامِ بِمَا يُرَادُ الْعِلْمُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٤١] . وَالْمَعِيَّةُ هُنَا مَعِيَّةُ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التَّوْبَة: ٤٠] . وَهَذَا تَأْيِيدٌ لَهُمْ إِذْ قَدْ عَلِمُوا قُوَّةَ الرّوم.

[١٢٤، ١٢٥]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : الْآيَات ١٢٤ إِلَى ١٢٥]

وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥)

عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ [التَّوْبَة: ٨٦] وَهَذَا عَوْدٌ إِلَى بَيَانِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضَاتٌ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ زِيدَتْ فِيهَا (مَا) عَقِبَ (إِذَا) وَزِيَادَتُهَا لِلتَّأْكِيدِ، أَيْ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى (إِذَا) وَهُوَ الشَّرْطُ، لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لِغَرَابَتِهِ كَانَ خَلِيقًا بِالتَّأْكِيدِ، وَلِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُنْكِرُونَ صُدُورَهُ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ مضمونها حِكَايَة استيذانهم وَهُمْ لَا يُنْكِرُونَهُ.

وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِجْمَالُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ السُّوَرُ الَّتِي أُنْزِلَتْ كَمَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ:

وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ [التَّوْبَة: ٨٦] . وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سُوَرَ الْقُرْآنِ كُلَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ دُعَاءٍ إِلَى الْإِيمَانِ وَالصَّالِحَاتِ وَالْإِعْجَازِ بِبَلَاغَتِهَا. فَالْمُرَادُ إِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مَا مِنَ الْقُرْآنِ. وَضَمِيرُ فَمِنْهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُنَافِقِينَ لِلْعِلْمِ بِالْمَعَادِ مِنَ الْمَقَامِ