للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٤]

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤)

وَقَعَ أَمْرُهُمْ بِعِبَادَتِهِ عَقِبَ ذِكْرِ الْجَزَاءِ إِنْذَارًا وَتَبْشِيرًا، فَالْجُمْلَةُ كَالدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ عِبَادَتِهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ النَّتِيجَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ إِثْبَاتِ خَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِأَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِثْلَ تِلْكَ الْعَوَالِمِ مِنْ غَيْرِ سَابِقِ وُجُودٍ لَا يُعْجِزُهُ أَنْ يُعِيدَ بَعْضَ الْمَوْجُودَاتِ الْكَائِنَةِ فِي تِلْكَ الْعَوَالِمِ خَلْقًا ثَانِيًا. وَمِمَّا يُشِيرُ إِلَى هَذَا قَوْله: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، فَبَدْءُ الْخَلْقِ هُوَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَإِعَادَتُهُ هِيَ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ شِبْهِ كَمَالِ الِاتِّصَالِ، عَلَى أَنَّهَا يَجُوزُ كَوْنُهَا خَبَرًا آخَرَ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكُمُ [يُونُس: ٣] ، أَوْ عَنْ قَوْلِهِ: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ [يُونُس: ٣] .

وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إِثْبَاتَ الْحَشْرِ الَّذِي أَنْكَرُوهُ وَكَذَّبُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِهِ.

وَفِي تَقْدِيمِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ إِفَادَةُ الْقَصْرِ، أَيْ لَا إِلَى غَيْرِهِ، قَطْعًا لِمَطَامِعِ بَعْضِهِمُ الْقَائِلِينَ فِي آلِهَتِهِمْ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يُونُس: ١٨] يُرِيدُونَ أَنَّهُمْ شُفَعَاءُ عَلَى تَسْلِيمِ وُقُوعِ الْبَعْثِ لِلْجَزَاءِ، فَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ كَانَ حَقِيقًا بِالْعِبَادَةِ وَكَانَتْ عِبَادَةُ غَيْرِهِ بَاطِلًا.

وَالْمَرْجِعُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [١٠٥] .

وجَمِيعاً حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْمَصْدَرُ الْعَامِلُ فِيهِ.

وَانْتَصَبَ وَعْدَ اللَّهِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ تَوْكِيدًا لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمُسَاوِيَةِ لَهُ، وَيُسمى موكّدا لِنَفْسِهِ فِي اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ لِأَنَّ مَضْمُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ الْوَعْدُ بِإِرْجَاعِهِمْ