للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِيَّةِ فِي تَعْرِيفِ الْكَافِرِينَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الطُّغْيَانَ أَشَدُّهُ إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ، وَلِأَنَّهُ صَارَ كَالْعَلَّامَةِ عَلَيْهِمْ كَمَا تقدم آنِفا.

[١٢]

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ١٢]

وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ [يُونُس: ١١] الْآيَةَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَهَمَّ مِنْ كِلْتَيْهِمَا هُوَ الِاعْتِبَارُ بِذَمِيمِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ تَفْظِيعًا لِحَالِهِمْ وَتَحْذِيرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي أَمْثَالِهَا بِقَرِينَةِ تَنْهِيَةِ هَذِهِ الْآيَةِ بِجُمْلَةِ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا بُيِّنَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَجْهُ تَأْخِيرِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ عَنْهُمْ وَإِرْجَاءِ جَزَائِهِمْ إِلَى الْآخِرَةِ بُيِّنَ فِي هَذِهِ الْآيَة حَالهم عِنْد مَا يَمَسُّهُمْ شَيْءٌ من الضّر وَعند مَا يُكْشَفُ الضُّرُّ عَنْهُمْ.

فَالْإِنْسَانُ مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ، وَالتَّعْرِيفُ بِاللَّامِ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ الْعُرْفِيَّ، أَيِ الْإِنْسَانَ الْكَافِرَ، لِأَنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ حِينَئِذٍ كَافِرُونَ، إِذْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَا يُعَدُّونَ بِضْعَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا مَعَ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمُ الَّذِينَ هُمْ تَبَعٌ لَهُمْ. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِمْ فِي هَذَا الْحُكْمِ هُمُ الْكَافِرُونَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مَرْيَم: ٦٦]- وَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ [الانفطار: ٦، ٧] . وَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا يُنَاسِبُ مِقْدَارَ مَا فِي آحَادِهِمْ مِنْ بَقَايَا هَذِهِ الْحَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيُفِيقُ كُلٌّ مِنْ غَفْلَتِهِ.

وَعُدِلَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إِلَى (النَّاسِ) مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ [يُونُس: ١١] لِأَنَّ فِي ذِكْرِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ إِيمَاءً إِلَى التَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِذْ جَعَلَهُمْ، مِنْ أَشْرَفِ الْأَنْوَاعِ الْمَوْجُودَةِ عَلَى الْأَرْضِ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلَ اللَّامَ فِي الْإِنْسَانِ لِلْعَهْدِ وَجَعَلَ الْمُرَادَ بِهِ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ، وَاسْمُهُ مُهَشِّمٌ، وَكَانَ مُشْرِكًا،

وَكَانَ أَصَابَهُ مَرَضٌ.