للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لَو) تَقْتَضِي انْتِفَاءَ جَوَابِهَا لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا. فَالْمَعْنَى: لَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ خَلَقَ عُقُولَ النَّاسِ مُتَأَثِّرَةً وَمُنْفَعِلَةً بِمُؤَثِّرَاتِ التَّفَاوُتِ فِي إِدْرَاكِ الْحَقَائِق فَلم يتواطؤا عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا إِذَا اسْتَكْمَلَتْ خِلْقَةُ عَقْلِهَا مَا يُهَيِّئُهَا لِلنَّظَرِ الصَّحِيحِ وَحُسْنِ الْوَعْيِ لِدَعْوَةِ الْخَيْرِ وَمُغَالَبَةِ الْهُدَى فِي الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ.

وَجُمْلَةُ: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ إلَخْ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ تَتَعَلَّقْ مَشِيئَتُهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ إِنْكَارُ مَا هُوَ كَالْمُحَاوَلَةِ لِتَحْصِيلِ إِيمَانِهِمْ جَمِيعًا.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ إِنْكَارِيٌّ، فَنَزَّلَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِرْصِهِ عَلَى إِيمَانِ أَهْلِ مَكَّةَ وَحَثِيثِ سَعْيِهِ لِذَلِكَ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ صَالِحَةٍ مَنْزِلَةَ مَنْ يُحَاوِلُ إِكْرَاهَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ التَّنْزِيلِ إِنْكَارَهُ عَلَيْهِ.

وَلِأَجْلِ كَوْنِ هَذَا الْحِرْصِ الشَّدِيدِ هُوَ مَحَلُّ التَّنْزِيلِ وَمَصَبُّ الْإِنْكَارِ وَقَعَ تَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ، فَقِيلَ: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ دُونَ أَنْ يُقَالَ: أَفَتُكْرِهُ النَّاسَ، أَوْ أَفَأَنْتَ مُكْرِهُ النَّاسِ، لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْمُسْنَدِ يُفِيدُ تَقَوِّيَ الْحُكْمِ فَيُفِيدُ تَقْوِيَةَ صُدُورِ الْإِكْرَاهِ مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَكُونَ تِلْكَ التَّقْوِيَةُ مَحَلَّ الْإِنْكَارِ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالثَّنَاءِ عَلَى النَّبِيءِ وَمَعْذِرَةٌ لَهُ عَلَى عَدَمِ اسْتِجَابَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَمَنْ بَلَغَ الْمَجْهُودَ حَقَّ لَهُ الْعُذْرُ.

وَلَيْسَ تَقْدِيُمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ هُنَا مُفِيدًا لِلتَّخْصِيصِ، أَيِ الْقَصْرِ، لِأَنَّ الْمَقَامَ غَيْرُ صَالِحٍ لِاعْتِبَارِ الْقَصْرِ، إِذْ مُجَرَّدُ تَنْزِيلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَسْتَطِيعُ إِكْرَاهَ النَّاسِ عَلَى الْإِيمَانِ كَافٍ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى تَشْبِيهِ حِرْصِهِ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِحِرْصِ مَنْ يَسْتَطِيعُ إِكْرَاهَهُمْ عَلَيْهِ. فَمَا وَقَعَ فِي «الْكَشَّافِ» مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ غَيْرُ وَجِيهٍ، لِأَنَّ قَرِينَةَ التَّقَوِّي وَاضِحَةٌ كَمَا

أَشَارَ إِلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ.

وَالْإِكْرَاهُ: الإلجاء والقسر.