للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ نَهْيٌ مُؤَكِّدٌ لِمَعْنَى الْأَمْرِ الَّذِي قَبْلَهُ تَصْرِيحًا بِمَعْنَى حَنِيفاً. وَتَأْكِيدُ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِنُونِ التَّوْكِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّهْيِ عَنْهُ اعْتِنَاءً بِالتَّبَرُّؤِ مِنَ الشِّرْكِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ قَوْلَهُ: مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَنَحْوَهُ أَبْلَغُ فِي الِاتِّصَافِ مِنْ نَحْوِ: لَا تَكُنْ مُشْرِكًا، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّبَرُّؤِ مِنَ الطَّائِفَةِ ذَاتِ نحلة الْإِشْرَاك.

[١٠٦]

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ١٠٦]

وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦)

عَطْفٌ عَلَى وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يُونُس: ١٠٥] . وَلَمْ يُؤَكَّدِ الْفِعْلُ بِنُونِ التَّوْكِيدِ لِئَلَّا يَمْنَعَ وُجُودُهَا مِنْ حَذْفِ حَرْفِ الْعِلَّةِ بِأَنَّ حَذْفَهُ تَخْفِيفٌ وَفَصَاحَةٌ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ لَمَّا اقْترن بِمَا يومىء إِلَى التَّعْلِيلِ كَانَ فِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ تَأْكِيدِهِ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ فِي قَوْلِهِ: مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ يومىء إِلَى وَجْهِ النَّهْيِ عَنْ دُعَائِكَ، إِذْ دُعَاءُ أَمْثَالِهَا لَا يَقْصِدُهُ الْعَاقِلُ.

ومِنْ دُونِ اللَّهِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ فِعْلِ تَدْعُ وَمَفْعُولِهِ، وَهُوَ إِدْمَاجٌ لِلْحَثِّ عَلَى دُعَائِهِ اللَّهَ.

وَتَفْرِيعُ فَإِنْ فَعَلْتَ عَلَى النَّهْيَيْنِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا مَعْذِرَةَ لِمَنْ يَأْتِي مَا نُهِيَ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ أُكِّدَ نَهْيُهُ وَبُيِّنَتْ عِلَّتُهُ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَاعْتَدَى عَلَى حَقِّ رَبِّهِ.

وَأَكَّدَ الْكَوْنَ مِنَ الظَّالِمِينَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِ (إِنَّ) لِزِيَادَةِ التَّحْذِيرِ، وَأُتِيَ بِ (إِذَنْ) لِلْإِشَارَةِ إِلَى سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ: فَإِنْ فَعَلْتَ فَمَاذَا يَكُونُ؟.