للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَكُونَ (لَا) مِنْ أَوَّلِ الْجُمْلَةِ وَ (جَرَمَ) اسْمٌ بِمَعْنَى مَحَالَةَ أَيْ لَا مَحَالَةَ أَوْ بِمَعْنَى بُدَّ أَيْ لَا بُدَّ. ثُمَّ يَجِيءُ بَعْدَهَا أَنَّ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا فَتَكُونُ (أَنَّ) مَعْمُولَةً لِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ. وَالتَّقْدِيرُ: لَا جَرَمَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا. وَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّحْقِيقِ وَالتَّوْثِيقِ وَتُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْقَسَمِ فَيَجِيءُ بَعْدَهَا فِي مَا يَصْلُحُ لِجَوَابِ قَسَمٍ نَحْوَ: لَا جَرَمَ لَأَفْعَلَنَّ. قَالَهُ عَمْرو بن معديكرب لِأَبِي بَكْرٍ.

وَعَبَّرَ عَمَّا لَحِقَهُمْ مِنَ الضُّرِّ بِالْخَسَارَةِ اسْتِعَارَةً لِأَنَّهُ ضُرٌّ أَصَابَهُمْ مِنْ حَيْثُ كَانُوا

يَرْجُونَ الْمَنْفَعَةَ فَهُمْ مِثْلُ التُّجَّارِ الَّذِينَ أَصَابَتْهُمُ الْخَسَارَةُ مِنْ حَيْثُ أَرَادُوا الرِّبْحَ.

وَإِنَّمَا كَانُوا أَخْسَرِينَ، أَيْ شَدِيدِي الْخَسَارَةِ لِأَنَّهُمْ قَدْ اجْتَمَعَ لَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الشَّقَاءِ وَالْعَذَابِ مَا افْتَرَقَ بَيْنَ الْأُمَمِ الضَّالَّةِ. وَلِأَنَّهُمْ شَقَوْا مِنْ حَيْثُ كَانُوا يَحْسَبُونَهُ سَعَادَةً قَالَ تَعَالَى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الْكَهْف: ١٠٣، ١٠٤] فَكَانُوا أَخْسَرِينَ لِأَنَّهُمُ اجْتَمَعَتْ لَهُمْ خَسَارَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَضَمِيرُ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ضَمِيرُ فَصْلٍ يُفِيدُ الْقَصْرَ، وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ، لِأَنَّهُمْ بَلَغُوا الْحَدَّ الْأَقْصَى فِي الْخَسَارَةِ، فَكَأَنَّهُمُ انفردوا بالأخسرية.

[٢٣]

[سُورَة هود (١١) : آيَة ٢٣]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣)

لَمَّا ذَكَرَ أَحْوَالَ الْبَالِغِينَ أَقْصَى غَايَاتِ الْخَسَارَةِ ذَكَرَ مُقَابِلَهُمْ الَّذِينَ بَلَغُوا أَعْلَى دَرَجَاتِ السَّعَادَةِ. فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ النُّفُوسَ تَشْرَئِبُّ عِنْدَ سَمَاعِ حُكْمِ الشَّيْءِ إِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ ضِدِّهِ.

وَالْإِخْبَاتُ: الْخُضُوعُ وَالتَّوَاضُعُ، أَيْ أَطَاعُوا رَبَّهُمْ أَحْسَنَ طَاعَةٍ.

وَمُوقِعُ أُولئِكَ هُنَا مِثْلُ مَوْقِعِهِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا.