للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِجْرَامُ: اكْتِسَابُ الْجُرْمِ وَهُوَ الذَّنْبُ، فَهُوَ يَقْتَضِي الْمُؤَاخَذَةَ لَا مَحَالَةَ.

وَجُمْلَةُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فَهِيَ ابْتِدَائِيَّةٌ.

وَظَاهِرُهَا أَنَّهَا تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ وَتَأْيِيدُهُ بِمُقَابِلِهِ، أَيْ فَإِجْرَامِي عَلَيَّ لَا عَلَيْكُمْ كَمَا أَنَّ إِجْرَامَكُمْ لَا تَنَالُنِي مِنْهُ تَبِعَةٌ. وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا تُجْرِمُونَ أَيْ تَبِعَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرُ مَعْنَى لَا تَقْدِيرَ إِعْرَابٍ، وَالشَّيْءُ يُؤَكَّدُ بِضِدِّهِ كَقَوْلِهِ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الْكَافِرُونَ: ٢، ٣] .

وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَوْجِيهٌ بَدِيعٌ وَهُوَ إِفَادَةُ تَبْرِئَةِ نَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَفْتَرِيَ الْقُرْآنَ فَإِنَّ افْتِرَاءَ الْقُرْآنِ دَعْوًى بَاطِلَةً ادَّعَوْهَا عَلَيْهِ فَهِيَ إِجْرَامٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ قَوْلِكُمُ الَّذِي تُجْرِمُونَهُ عليّ بَاطِلا.

[٣٦]

[سُورَة هود (١١) : آيَة ٣٦]

وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا [هود: ٣٢] أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ أُوحِيَ إِلَى نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ.

وَاسْمُ (أَنَّ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ بَعْدَهُ أَمْرُهُمْ خَطِيرٌ لِأَنَّهَا تَأْيِيسٌ لَهُ مِنْ إِيمَانِ بَقِيَّةِ قَوْمِهِ كَمَا دَلَّ حَرْفُ لَنْ الْمُفِيدُ تَأْبِيدَ النَّفْيِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَذَلِكَ شَدِيدٌ عَلَيْهِ

وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِتَسْلِيَتِهِ بِجُمْلَةِ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ فَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ التَّسْلِيَةِ عَلَى الْخَبَرِ الْمُحْزِنِ.

وَالِابْتِئَاسُ افْتِعَالٌ مِنَ الْبُؤْسِ وَهُوَ الْهَمُّ وَالْحَزَنُ، أَيْ لَا تَحْزَنْ.

وَمَعْنَى الِافْتِعَالِ هُنَا التَّأَثُّرِ بِالْبُؤْسِ الَّذِي أَحْدَثَهُ الْخَبَر الْمَذْكُور. بِما كانُوا يَفْعَلُونَ هُوَ إِصْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَاعْتِرَاضُهُمْ عَنِ النَّظَرِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى وَقْتِ أَنْ