للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَعْرَافِ. وَهِيَ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ خَصْلَتَيِ السَّرِقَةِ وَالْغَدْرِ، لِأَنَّ الْمُكْتَالَ مُسْتَرْسِلٌ مُسْتَسْلِمٌ. وَنَهَاهُمْ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَعَنْ نَقْصِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ فَعَزَّزَهُ بِالْأَمْرِ بِضِدِّهِ وَهُوَ إِيفَاؤُهُمَا.

وَجُمْلَةُ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ نَقْصِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ أَنَّكُمْ بِخَيْرٍ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ رُؤْيَتَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَحَقٌّ عَلَيْهِمْ شُكْرُهَا. وَالْبَاءُ فِي بِخَيْرٍ لِلْمُلَابَسَةِ.

وَالْخَيْرُ: حُسْنُ الْحَالَةِ. وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ كَقَوْلِهِ: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [الْبَقَرَة: ١٨٠] .

وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَيْهِ هُنَا لِيَكُونَ أَدْخَلَ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ، أَيْ إِنَّكُمْ فِي غِنًى عَنْ هَذَا التَّطْفِيفِ بِمَا أُوتِيتُمْ مِنَ النِّعْمَةِ وَالثَّرْوَةِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي قُبْحَ مَا يَرْتَكِبُونَهُ مِنَ التَّطْفِيفِ فِي نَظَرِ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ وَيَقْطَعُ مِنْهُمُ الْعُذْرَ فِي ارْتِكَابِهِ. وَهَذَا حَثٌّ عَلَى وَسِيلَةِ بَقَاءِ النِّعْمَةِ.

ثُمَّ ارْتَقَى فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ بِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِمْ عَذَابًا يَحِلُّ بِهِمْ إِمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِمَّا فِي الدُّنْيَا. وَلِصُلُوحِيَّتِهِ لِلْأَمْرَيْنِ أَجْمَلَهُ بِقَوْلِهِ: عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَهَذَا تَحْذِيرٌ مِنْ عَوَاقِبِ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَعِصْيَانِ وَاهِبِهَا.

ومُحِيطٍ وصف ل يَوْمٍ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، أَيْ مُحِيطٌ عَذَابُهُ، وَالْقَرِينَةُ هِيَ إِضَافَةُ الْعَذَابِ إِلَيْهِ.

وَإِعَادَةُ النِّدَاءِ فِي جُمْلَةِ وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِالْجُمْلَةِ وَالتَّنْبِيهِ لِمَضْمُونِهَا، وَهُوَ الْأَمْرُ بِإِيفَاءِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ. وَهَذَا الْأَمْرُ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ نَقْصِهِمَا.

وَالشَّيْءُ يُؤَكَّدُ بِنَفْيِ ضِدِّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه: ٧٩] . لِزِيَادَةِ التَّرْغِيبِ فِي الْإِيفَاءِ بِطَلَبِ حُصُولِهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْقِسْطِ لِلْمُلَابَسَةِ. وَهُوَ مُتَعَلق ب أَوْفُوا فَيُفِيدُ أَنَّ الْإِيفَاءَ