للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة هود (١١) : الْآيَات ١٠٥ إِلَى ١٠٨]

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)

جملَة يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ تَفْصِيلٌ لِمَدْلُولِ جُمْلَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ [هود: ١٠٣] الْآيَةَ، وَبَيَّنَتْ عَظَمَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي الشَّرِّ وَالْخَيْرِ تَبَعًا لذَلِك التَّفْصِيل. فالقصد الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ هُوَ قَوْلُهُ: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ وَمَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَتَمْهِيدٌ لَهُ أَفْصَحَ عَنْ عَظَمَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَدْ جَاءَ نَظْمُ الْكَلَامِ عَلَى تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ اقْتَضَاهُ وَضْعُ الِاسْتِطْرَادِ بِتَعْظِيمِ هَوْلِ الْيَوْمِ فِي مَوْضِعِ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ لِأَنَّهُ أَسْعَدُ بِتَنَاسُبِ أَغْرَاضِ الْكَلَامِ، وَالظُّرُوفُ صَالِحَةٌ لِاتِّصَالِ الْكَلَامِ كَصَلَاحِيَّةِ الْحُرُوفِ الْعَاطِفَةِ وَأَدَوَاتِ الشَّرْطِ.

ويَوْمَ مِنْ قَوْله: يَوْمَ يَأْتِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى (حِينَ) أَوْ (سَاعَةَ) ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ

شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ فِي لفظ (يَوْم) و (لَيْلَة) تَوَسُّعًا بِإِطْلَاقِهِمَا عَلَى جُزْءٍ مِنْ زَمَانِهِمَا إِذْ لَا يَخْلُو الزَّمَانُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي نَهَارٍ أَوْ فِي لَيْلٍ فَذَلِكَ يَوْمٌ أَوْ لَيْلَة فَإِذا أطلقها هَذَا الْإِطْلَاقَ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُمَا إِلَّا مَعْنَى (حِينَ) دُونَ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ وَلَا بِنَهَارٍ وَلَا لَيْلٍ، أَلَا تَرَى قَوْلَ النَّابِغَةَ:

تَخَيَّرْنَ مِنْ أَنْهَارِ يَوْمِ حَلِيمَةٍ فَأَضَافَ (أَنْهَارَ) جَمْعَ نَهَارٍ إِلَى الْيَوْمِ. وَرُوِيَ: مِنْ أَزْمَانِ يَوْمِ حَلِيمَةٍ.

وَقَوْلُ تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيْرِ:

كَأَنَّ الْقَلْبَ لَيْلَةَ قِيلَ: يُغْدَى ... بِلَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ أَوْ يُرَاحُ