للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَرَادَ سَاعَةَ، قِيلَ: يُغْدَى بِلَيْلَى، وَلِذَلِكَ قَالَ: يُغْدَى أَوْ يُرَاحُ، فَلَمْ يُرَاقِبْ مَا يُنَاسِبُ لَفْظَ لَيْلَةَ مِنَ الرَّوَاحِ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِ مَعْنَاهُ حِينَ يَأْتِي، وَضَمِيرُ (يَأْتِي) عَائِدٌ إِلَى يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود: ١٠٣] وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَالْمُرَادُ بِإِتْيَانِهِ وُقُوعُهُ وَحُلُولُهُ كَقَوْلِهِ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ [الزخرف: ٦٦] .

فَقَوله: يَوْمَ يَأْتِ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ.

وَجُمْلَةُ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ. قُدِّمَ الظَّرْفُ عَلَى فِعْلِهَا لِلْغَرَضِ الْمُتَقَدِّمِ.

وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ حِينِ يَحُلُّ الْيَوْمُ الْمَشْهُودُ. وَالضَّمِيرُ فِي بِإِذْنِهِ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْمَفْهُومُ مِنَ الْمَقَامِ وَمِنْ ضمير نُؤَخِّرُهُ [هود: ١٠٤] . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النبأ: ٣٨] . وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا إِبْطَالُ اعْتِقَادِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْأَصْنَامَ لَهَا حَقُّ الشَّفَاعَةِ عِنْدَ اللَّهِ.

ونَفْسٌ يَعُمُّ جَمِيعَ النُّفُوسِ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَشَمَلَ النُّفُوسَ الْبَرَّةَ وَالْفَاجِرَةَ، وَشَمَلَ كَلَامَ الشَّافِعِ وَكَلَامَ الْمُجَادِلِ عَنْ نَفْسِهِ. وَفُصِّلَ عُمُومُ النُّفُوسِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا.

وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُفِيدٌ تَفْصِيلَ النَّاسِ فِي قَوْلِهِ: مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ [هود: ١٠٣] ، وَلَكِنَّهُ جَاءَ عَلَى هَذَا النَّسْجِ لِأَجْلِ مَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ شِبْهِ الِاعْتِرَاضِ بِقَوْلِهِ: وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ [هود: ١٠٤] إِلَى قَوْلِهِ: بِإِذْنِهِ وَذَلِكَ نَسِيجٌ بَدِيعٌ.

وَالشَّقِيُّ: فَعِيلٌ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ شَقِيَ، إِذَا تَلَبَّسَ بِالشَّقَاءِ وَالشَّقَاوَةِ، أَيْ سُوءِ الْحَالَةِ

وَشَرِّهَا وَمَا يُنَافِرُ طَبْعَ الْمُتَّصِفِ بِهَا.

وَالسَّعِيدُ: ضِدَّ الشَّقِيِّ، وَهُوَ الْمُتَلَبِّسُ بِالسَّعَادَةِ الَّتِي هِيَ الْأَحْوَالُ الْحَسَنَةُ الْخَيِّرَةُ الْمُلَائِمَةُ لِلْمُتَّصِفِ بِهَا. وَالْمَعْنَى: فَمِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ هُوَ فِي عَذَابٍ وَشِدَّةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي نِعْمَةٍ وَرَخَاءٍ.