للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِفَسَادِ آرَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَهُ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ.

وَمَعْنَى إِرْجَاعِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ: أَنَّ أَمْرَ التَّدْبِيرِ وَالنَّصْرِ وَالْخِذْلَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، أَيْ إِلَى عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِنْ حَسَبَ النَّاسُ وَهَيَّأُوا فَطَالَمَا كَانَتِ الْأُمُورُ حَاصِلَةً عَلَى خِلَافِ مَا اسْتَعَدَّ إِلَيْهِ الْمُسْتَعِدُّ، وَكَثِيرًا مَا اعْتَزَّ الْعَزِيزُ بِعِزَّتِهِ فَلَقِيَ الْخِذْلَانَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرْتَقِبُ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمُسْتَضْعَفُونَ بِمَحَلِّ الْعِزَّةِ وَالنُّصْرَةِ عَلَى أُولِي الْعِزَّةِ وَالْقُوَّةِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْرُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَيَعُمُّ الْأُمُورَ، وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِ كُلُّهُ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ.

وَقَرَأَ مَنْ عَدَا نَافِعًا يُرْجَعُ بِبِنَاءِ الْفِعْلِ بِصِيغَةِ النَّائِبِ، أَيْ يُرْجِعُ كُلُّ ذِي أَمْرٍ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ (الْأَمْرُ) هُوَ فَاعِلُ الرُّجُوعِ، أَيْ يَرْجِعُ هُوَ إِلَى اللَّهِ.

وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ فَالرُّجُوعُ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ عَجْزِ النَّاسِ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ حَسَبَ رَغَبَاتِهِمْ بِهَيْئَةِ مُتَنَاوِلِ شَيْءٍ لِلتَّصَرُّفِ بِهِ ثُمَّ عَدِمَ اسْتِطَاعَتَهُ التَّصَرُّفَ بِهِ فَيُرْجِعُهُ إِلَى الْحَرِيِّ بِالتَّصَرُّفِ بِهِ، أَوْ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ خُضُوعِ الْأُمُورِ إِلَى تَصَرُّفِ اللَّهِ دُونَ تَصَرُّفِ الْمُحَاوِلِينَ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِهَيْئَةِ الْمُتَجَوِّلِ الْبَاحِثِ عَنْ مَكَانٍ يَسْتَقِرُّ بِهِ ثُمَّ إِيوَائِهِ إِلَى الْمَقَرِّ اللَّائِقِ بِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَيْهِ، فَهِيَ تَمْثِيلِيَّةٌ مَكْنِيَّةٌ رَمَزَ إِلَيْهَا بِفِعْلِ يُرْجَعُ وَتَعْدِيَتُهُ بِ إِلَيْهِ.

وتفريع أَمر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ عَلَى رُجُوعِ الْأَمْرِ كُلِّهِ إِلَيْهِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ

اللَّهَ هُوَ الْحَقِيقُ بِأَنْ يُعْبَدَ وَأَنْ يُتَوَكَّلَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مُهِمٍّ. وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالتَّخْطِئَةِ لِلَّذِينِ عَبَدُوا غَيْرَهُ وَتَوَكَّلُوا عَلَى شَفَاعَةِ الْآلِهَةِ وَنَفْعِهَا. ويتضمّن أَمر النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالدَّوَامِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالتَّوَكُّلِ.