للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة يُوسُف (١٢) : آيَة ١٥]

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)

تَفْرِيعُ حِكَايَةِ الذَّهَابِ بِهِ وَالْعَزْمِ عَلَى إِلْقَائِهِ فِي الْجُبِّ عَلَى حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَةِ بَيْنَ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَبَنِيهِ فِي مُحَاوَلَةِ الْخُرُوجِ بِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى الْبَادِيَةِ يُؤْذِنُ بِجُمَلٍ مَحْذُوفَةٍ فِيهَا ذِكْرُ أَنَّهُمْ أَلَحُّوا عَلَى يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَتَّى أَقْنَعُوهُ فَأَذِنَ لِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالْخُرُوجِ مَعَهُمْ، وَهُوَ إِيجَازٌ.

وَالْمَعْنَى: فَلَمَّا أَجَابَهُمْ يَعْقُوبُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى مَا طَلَبُوا ذَهَبُوا بِهِ وَبَلَغُوا الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ الْجُبُّ.

وَفِعْلُ (أَجْمَعَ) يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ. وَمَعْنَاهُ: صَمَّمَ عَلَى الْفِعْلِ، فَقَوْلُهُ: أَنْ يَجْعَلُوهُ هُوَ مَفْعُولُ وَأَجْمَعُوا.

وَجَوَابُ (لَمَّا) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ، وَالتَّقْدِيرُ: جَعَلُوهُ فِي الْجُبِّ. وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَهُوَ مِنَ الْإِيجَازِ الْخَاصِّ بِالْقُرْآنِ فَهُوَ تَقْلِيلٌ فِي اللَّفْظِ لِظُهُورِ الْمَعْنَى.

وَجُمْلَةُ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ، لِأَنَّ هَذَا الْمُوحَى مِنْ مُهِمِّ عِبَرِ الْقِصَّةِ.

وَقِيلَ: الْوَاوُ مَزِيدَةٌ وَجُمْلَةُ أَوْحَيْنا هُوَ جَوَابُ (لَمَّا) ، وَقَدْ قِيلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي قَوْله امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى ... ... الْبَيْتَ.

وَقِيلَ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ [سُورَة الصافات: ١٠٣، ١٠٤] الْآيَةَ وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ نَظَرٌ.