للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاشِئِ عَنِ الشَّكْوَى

أَثَرًا جَسَدِيًّا نَاشِئًا عَنْ عِبَادَةٍ مِثْلَ تَفَطُّرِ أَقْدَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ.

وَالْبَثُّ: الْهَمُّ الشَّدِيدُ، وَهُوَ التَّفْكِيرُ فِي الشَّيْءِ الْمُسِيءِ. وَالْحُزْنُ: الْأَسَفُ عَلَى فَائِتٍ. فَبَيْنَ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ، وَقَدِ اجْتَمَعَا لِيَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَنَّهُ كَانَ مُهْتَمًّا بِالتَّفْكِيرِ فِي مَصِيرِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَا يَعْتَرِضُهُ مِنَ الْكَرْبِ فِي غُرْبَتِهِ وَكَانَ آسِفًا عَلَى فِرَاقِهِ.

وَقَدْ أَعْقَبَ كَلَامَهُ بِقَوْلِهِ: أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

لِيُنَبِّهَهُمْ إِلَى قُصُورِ عُقُولِهِمْ عَنْ إِدْرَاكِ الْمَقَاصِدِ الْعَالِيَةِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ دُونَ مَرْتَبَةِ أَنْ يَعْلَمُوهُ أَوْ يَلُومُوهُ، أَيْ أَنَا أَعْلَمُ عِلْمًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُونَهُ وَهُوَ عِلْمُ النُّبُوءَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ فَهِيَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوءَةِ الْأُولَى. وَحُكِيَ مِثْلُهَا عَنْ شُعَيْبٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ.

وَفِي هَذَا تَعْرِيض برد تعرضهم بِأَنَّهُ يَطْمَعُ فِي الْمُحَالِ بِأَنَّ مَا يَحْسَبُونَهُ مُحَالًا سَيَقَعُ.

ثُمَّ صَرَّحَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَعْلَمُهُ وَكَاشَفَهُمْ بِمَا يُحَقِّقُ كَذِبَهُمُ ادِّعَاءَ ائْتِكَالَ الذِّئْبِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَ أَذِنَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ عِنْدَ تَقْدِيرِ انْتِهَاءِ الْبَلْوَى فَقَالَ: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ.

فَجُمْلَةُ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

مَا يُثِيرُ فِي أَنْفُسِهِمْ تَرَقُّبَ مُكَاشَفَتِهِ عَلَى كَذِبِهِمْ فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَيْدِ كَثِيرُ الظُّنُونِ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المُنَافِقُونَ: ٤] .

وَالتَّحَسُّسُ- بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ-: شِدَّةُ التَّطَلُّبِ وَالتَّعَرُّفِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّجَسُّسِ- بِالْجِيمِ- فَهُوَ التَّطَلُّبُ مَعَ اخْتِفَاءٍ وَتَسَتُّرٍ.

وَالرَّوْحُ- بِفَتْحِ الرَّاءِ: النَّفَسُ- بِفَتْحِ الْفَاءِ- اسْتُعِيرَ لِكَشْفِ الْكَرْبِ لِأَنَّ الْكَرْبَ وَالْهَمَّ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا الْغَمُّ وَضِيقُ النَّفَسِ وضيق الصَّدْر، كَذَلِك يُطْلَقُ التَّنَفُّسُ وَالتَّرَوُّحُ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ، وَمِنْهُ اسْتِعَارَةُ قَوْلِهِمْ: تَنَفَّسَ الصُّبْحُ إِذَا زَالَتْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ.