للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ مِنَ النَّاسِ إِذْ كَانَتْ دَرَجَاتٍ مُوَصِّلَةً إِلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا، فَلِذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْهَا كِتَابٌ إِلَّا وَنُسِخَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْ عُيِّنَ لِأُمَّةٍ خَاصَّةٍ «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ مُفْرَدٍ عَلَى قَوْلِهِ: الْكِتابِ مُفْرَدٍ، مِنْ بَابِ عَطْفِ الصِّفَةِ عَلَى الِاسْمِ، مِثْلَ مَا أَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:

إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَ ... امِ وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ بِالْمُزْدَحَمْ

وَالْإِتْيَانُ بِ رَبِّكَ دُونَ اسْمِ الْجَلَالَةِ لِلتَّلَطُّفِ. وَالِاسْتِدْرَاكُ بِقَوْلِهِ: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ رَاجِعٌ إِلَى مَا أَفَادَهُ الْقَصْرُ مِنْ إِبْطَالِ مُسَاوَاةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي الْحَقِّيَّةِ إِبْطَالًا يَقْتَضِي ارْتِفَاعَ النِّزَاعِ فِي أَحَقِّيَّتِهِ، أَيْ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَا دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ، فَمِنْ أَجْلِ هَذَا الْخُلُقِ الذَّمِيمِ فِيهِمْ يَسْتَمِرُّ النِّزَاعُ مِنْهُمْ فِي كَوْنِهِ حَقًّا.

وَابْتِدَاءُ السُّورَةِ بِهَذَا تَنْوِيهٌ بِمَا فِي الْقُرْآنِ الَّذِي هَذِهِ السُّورَةُ جُزْءٌ مِنْهُ مَقْصُودٌ بِهِ تَهْيِئَةُ السَّامِعِ لِلتَّأَمُّلِ مِمَّا سَيَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ.

[٢]

[سُورَة الرَّعْد (١٣) : آيَة ٢]

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ هُوَ ابْتِدَاءُ الْمَقْصُودِ مِنَ السُّورَةِ وَمَا قَبْلَهُ بِمَنْزِلَةِ الدِّيبَاجَةِ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَلِذَا تَجِدُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْغَرَضِ قَدْ طَالَ وَاطَّرَدَ.

وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الِاسْتِئْنَافِ لِقَوْلِهِ: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ لِأَنَّ أَصْلَ كفرهم بِالْقُرْآنِ ناشىء عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِالْكُفْرِ وَعَنْ تَطَبُّعِهِمْ بِالِاسْتِكْبَارِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ دَعْوَةِ الْحَقِّ.