للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَخَبَرُ (مَنْ هُوَ قائِمٌ) مَحْذُوفٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ. وَالتَّقْدِير:

أَمَّنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَمَنْ جَعَلُوهُمْ بِهِ شُرَكَاءَ سَوَاءٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ. دَلَّ عَلَى تَقْدِيرِهِ مَا تَقْتَضِيهِ الشَّرِكَةُ فِي الْعِبَادَةِ مِنَ التَّسْوِيَةِ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ لِتِلْكَ التَّسْوِيَةِ الْمُفَادِ مِنْ لَفْظِ شُرَكاءَ. وَبِهَذَا الْمَحْذُوفِ اسْتُغْنِيَ عَنْ تَقْدِيرِ مُعَادِلٍ لِلْهَمْزَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ «مُغْنِي اللَّبِيبِ» ، لِأَنَّ هَذَا الْمُقَدَّرَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ أَقْوَى فَائِدَةً مِنْ تَقْدِيرِ الْمُعَادِلِ الَّذِي حَاصِلُهُ أَنْ يَقْدِّرَ: أَمْ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بَيَانُ مُوقِعِ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ.

وَالْعُدُولُ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ إِلَى الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ لِأَنَّ فِي الصِّلَةِ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ، وَتَخْطِئَةً لِأَهْلِ الشِّرْكِ فِي تَشْرِيكِ آلِهَتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْإِلَهِيَّةِ، وَنِدَاءً عَلَى غَبَاوَتِهِمْ إِذْ هُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ. وَالْمُقَدَّرُ بِاعْتِقَادِهِمْ ذَلِكَ هُوَ أَصْلُ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ وَلِمَا فِي هَذِهِ الصِّلَةِ مِنَ التَّعْرِيضِ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.

وَالْقَائِمُ عَلَى الشَّيْءِ: الرَّقِيبُ، فَيَشْمَلُ الْحِفْظَ وَالْإِبْقَاءَ وَالْإِمْدَادَ، وَلِتُضَمُّنِهِ مَعْنَى

الرَّقِيبِ عُدِّيَ بِحَرْفِ عَلى الْمُفِيدِ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ. وَأَصْلُهُ مِنَ الْقِيَامِ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ كَقَوْلِهِ: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [سُورَة آل عمرَان: ٧٥] . وَيَجِيءُ مِنْ مَعْنَى الْقَائِمِ أَنَّهُ الْعَلِيمُ بِحَالِ كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ تَمَامَ الْقَيُّومِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِحَاطَةِ الْعِلْمِ.

فَمَعْنَى قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ مُتَوَلِّيهَا وَمُدَبِّرُهَا فِي جَمِيعِ شُؤُونِهَا فِي الْخَلْقِ وَالْأَجَلِ وَالرِّزْقِ، وَالْعَالَمُ بِأَحْوَالِهَا وَأَعْمَالِهَا، فَكَانَ إِطْلَاقُ وَصْفِ قائِمٌ هُنَا مِنْ إِطْلَاقِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ. وَالْمُشْرِكُونَ لَا يُنَازِعُونَ فِي انْفِرَادِ اللَّهِ بِهَذَا الْقِيَامِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُرَاعُونَ ذَلِكَ فِي عِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ وَلِمُرَاعَاةِ هَذَا الْمَعْنَى تَعَلَّقَ قَائِمٌ بُقُولِهِ: عَلى كُلِّ نَفْسٍ لِيَعُمَّ الْقِيَامُ سَائِرَ شُؤُونِهَا.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِما كَسَبَتْ لِلْمُلَابَسَةِ. وَهِيَ فِي مَوْقِعِ الْحَالِ مِنْ نَفْسٍ